بعيداً عن الرواية ومنعرجاتها التخييلية، يعود عبد الغني هذه المرّة إلى مجال الدراسة النقدية من خلال طرق مفهوم السيرة، باعتباره من المفاهيم المركزية داخل الثقافة المعاصرة. إذْ رغم الدراسات الغزيرة التي كُتبت على هذا المفهوم في مجال الأدب والتاريخ والفنّ، فإنّه ما يزال يطرح أسئلة معرفية كبيرة تتعلق بهذا المفهوم وما إذا يمكن اعتباره جنساً خاصاً أم أنه مجرّد آلية من آليات قراءة تجربة أدبية أو فكرية ما. لهذا يخصص عبد الغني كتابه لسيرة ابن خلدون، عاملاً على تقليب صفحات تاريخه وذاكرته وأثره المعرفي الكبير في بنية النسق الثقافي العربي الإسلامي. فمُنذ القرن الـ 13 ما يزال ابن خلدون مثار اهتمام كبير من لدن باحثين مغارب وعرب وأجانب، بحكم الإمكانات الكبيرة التي تُتيحها كتابات هذا المؤرخ الاستثنائي.
في هذا الكتاب الجديد الصادر عن المتوسط والموجود بمعرض الكتاب بالرباط، يذهب صاحب « البورخيسية » عكس ما ذاهب إليه الكتاب. ذلك إنّه يحفر في مفهوم السيرة عند ابن خلدون، وعياً منه بما يُمكن أن تُقدّمه السيرة للباحث من أسرار معرفية حول كواليس كتابة مصنّفاته الفكرية. لهذا فإنّ مثل هذه الكتب التي تحفر على هامش السيرة لتُبرز نضج الكتابة تظلّ قليلة، لأنّها في الأصل عبارة عن آلية منهجية يروم الكاتب من خلالها إلى تقديم زاوية نظر جديدة تدفعه إلى العثور على أشياء لم تُكتب بعد.




