أمگرود يكتب: أزمة الاسم الشخصي لدى المغاربة

الطيب أمكرود / أديب وباحث

الطيب أمكرود / أديب وباحث . DR

في 11/12/2025 على الساعة 17:45

مقال رأيصعد الجميع إلى الحافلة، دار المحرك وانطلقت. كانت ممتلئة عن آخرها، وما أن أخذت المسار، حتى اشتغلت الهواتف، وبدأ الحديث.

أخرجت مسافرة هاتفها وركبت رقما: ألو رتاج، ماتنسايش توكلي خوك وائل، سدي البوطة مزيان، وسدي الباب مزيان وطفيو الضو ونعسو باش تفيقو بكري تمشيو تقراو، راني وصيت جارتنا أم منال تصايب ليكوم الغدا...

أثارتني حزمة الأسماء التي راجت خلال المكالمة، وانتبهت دون إرادة منذ البداية وأنا أسمع رتاج ثم وائل ثم منال، فتذكرت السجالات التي عشتها وأنا أختار لأبنائي أسماء مغربية صرفة.

لقد سقط المغاربة ضحايا لمسلسل مسخ طويل للهوية، وكان للاسم الشخصي نصيب الأسد من عملية المسخ الممنهجة. ولأن حركات الإسلام السياسي تغلغلت في المجتمع منذ تسعينيات القرن الماضي، لم يكد يمضي عقدان حتى كادت أن تختفي كلية الأسماء ذات المسحة المغربية، بل ابتدع السلفيون مصطلحات نشروها بمكر بين البسطاء من الناس، فأصبح الطفل المغربي ينادي أباه بأبي بعد أن كان يناديه بـ«بَّا»، وينادي أمه بأمي بعد أن ظل يستخدم «مِّي»...

«بسبب منسوب الأمية والاستلاب، جرف الاسم التركي واللبناني وأسماء الفنانين جزءا كبيرا مما تبقى من المغربيات والمغاربة، فأصبحنا نسمع الأمهات ينادين أبناءهن بوائل وشادي ووصال ومهجة ومنال ومنار...»

—  الطيب أمگرود

على مكاتب الحالة المدنية أصبحت تتقاطر أسماء ذات نبرة وحمولة قومية كجهاد ونضال، أو سلفية كصهيب ومصعب وسهيل... عوض أسماء مغربية عريقة أصبح من يحملونها يحسون بالعار، وأضحى من آخر الصيحات أن يسمي المغربي نفسه بأبو فلان ولو لم يكن متزوجا أو له أبناء، وسارت النساء في نفس الاتجاه فأصبحن يتنافسن في ابتداع ألقاب لهن مركبة من أم وفلانة...

في الضفة المقابلة، وبسبب منسوب الأمية والاستلاب، جرف الاسم التركي واللبناني وأسماء الفنانين جزءا كبيرا مما تبقى من المغربيات والمغاربة، فأصبحنا نسمع الأمهات ينادين أبناءهن بوائل وشادي ووصال ومهجة ومنال ومنار... وتنافست العائلات في استلهام الأسماء كل من مرجعيته، بين قوميين انبهروا بصدام وارتضوه اسما للابن، فاختفى صدام وبقي الاسم بدون حمولة رمزية، وآباء جرفتهم ريح الوهابية أو إعصار الأخونة فتخلوا عن الأسماء المغربية الجميلة واستبدلوها بأسماء غريبة بنية ودلالة وجرسا، وأمهات يقلدن ما يسمعنه في التلفاز فاخترن لبناتهن وأبنائهن أسماء قد تحمل في الكثير من الأحيان دلالات ومعاني مشينة وخادشة للذوق العام وهو ما لا يدور بخلد من ارتضاها.

إن اقتلاع المغربي من جذوره، مشروع صممه دعاة القومية والأخونة والوهابية، وأسهمت فيه مشاريع الدولة ومخططاتها ومنها محاربة الاسم المغربي الأصيل ولو اقتضى الأمر لي أعناق نصوص القانون، ولعب فيه الإعلام والمجتمع دورا كبيرا وهو ينبهر بكل ما ليس مغربيا مقابل تبخيس وتتفيه كل ما هو وطني أصيل.

تحرير من طرف الطيب أمكرود / أديب وباحث
في 11/12/2025 على الساعة 17:45