أشرف الحساني يكتب: محمد الشوبي.. العزف المنفرد

أشرف الحساني

في 04/05/2025 على الساعة 19:00

آخر مرة التقيتُ فيها بالفنان والممثل الأصيل محمد الشوبي كان خلال جنازة الفنان الراحل لحسن زينون، رآني من بعيد وسط أصدقاء كُتاب ومفكرين وفنانين بمدينة الدار البيضاء من أجل مهمّة مهنية وقال لي بعبارة رشيقة: « تعال سأتحدث لك عن لحسن زينون » بينما جسده يتقطّر دمعاً وألماً.

طالما نظرتُ إلى محمد الشوبي، باعتباره من الوجوه المُضيئة داخل المشهد السينمائي. ذلك إنّ تجربته الكبيرة والموزعة بين المسرح والسينما والتلفزيون، جعلته فناناً مكتملاً ومثقفاً موسوعياً له القدرة على التعبير عن رأيه ومواقفه في الفن والمجتمع والسياسة، دون أي حدود أو سياجات يجعلانه يصبح مثل موظف يخاف عن سيرته وجسده. إنّ الفن موقف من الحياة والعالم، قبل أنْ يكون مجرّد أداء داخل فيلم أو مسلسل. هذا الأمر يُبلوره الشوبي، باعتبار الفنّ تجربة في الحياة والوجود، قبل أنْ يكون وسبلة تعبيرية عن الذات.

نودّع محمد الشوبي ونودّع معه آخر العناقيد الفنية الأصيلة التي قدّمت مجموعة من الأعمال المسرحية الكبيرة والأفلام السينمائية المذهلة من ناحية الأداء. لذلك يُعدّ الشوبي أكثر الممثلين المغاربة الذين كانوا محظوظين بأداء أدوار مركّبة داخل أفلام سينمائية متعددة لكل من كمال كمال وداوود أولاد السيد وفوزي بنسعيدي وفريدة بورقية وغيرهم. هذا الزخم من ناحية الأدوار جعل سيرة الشوبي تتميز عن غيرها من التجارب بقوة الأداء وزخم التعدد. كما أنّ انتقاله من مسرح الهواة إلى الاحترافي ثم صوب التلفزيون والسينما، ساهم في تأصيل تجربته واحتكاك جسده بمختلف الأدوار التي قدّمها لاحقاً داخل أعمال سينمائية باقية في الذاكرة والوجدان.

ليس الموت ما يبعث في داخلي الألم، لكنْ الخيبات المتكرّرة التي بتنا نعيشها في مشهدنا الفنّي. إذْ يُعتبر الشوبي من العلامات الفنية الأخيرة التي جمعت بين المسرح والسينما والتلفزيون والتي ظلّت على مدار سنوات طويلة، محافظة على رؤيتها الفنية ومواقفها السياسية تجاه ما يطبع الواقع بين فنية وأخرى من تحوّلات. كان الشوبي إلى آخر لحظة في حياته مُدافعاً عن الفنّ الملتزم الذي يُقدم للناس كل ما هو جميل، منتقداً في أحيان كثيرة بعض النماذج الفنية السخيفة التي تُفاقم من البلادة وتعطي صورة مغلوطة عن الفنّ المغربي الأصيل.

وإذا كان الشوبي أكثر الوجوه الفنية ازعاجاً بالنسبة للمخرجين التجاريين، فذلك يعود إلى كونه يفضح سيناريوهاتهم المبتذلة ونفوسهم الجائعة الحريصة على السرقة وابتذال المهنة وأدبياتها.

ترك الشوبي غصّة خانقة أشعر بها في جسد العديد من الفنانين اليوم، خاصّة وأنّه من القلائل الذين تجدهم وسط الندوات واللقاءات، إذْ يستحيل أنْ تعثر على ممثل أو ممثلة داخل لقاء ثقافي، في حين أنّ الشوبي كان دائم الحضور للأنشطة الثقافية ومتدخلاً ومشاركاً له القدرة على التعبير عن صوته وإيصال كلمته بطريقته الخاصة، وعياً منه بقيمة ما يقدّمه من خطاب باعتباره شهادة حقيقية من داخل الواقع الفنّي.

محمد الشوبي، يشبه العزف المنفرد الذي يرفض أن يكون عبارة عن نوتة مشوهة تتباهى بنفسها داخل سلم موسيقي رتيب.. وما أكثر النوتات المشوّهة التي تتكرر وتتناسل إلى ما لا نهاية داخل مشهدنا الفني العقيم.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 04/05/2025 على الساعة 19:00