أشرف الحساني يكتب: المدرسة وانعدام التربية على الخيال

أشرف الحساني / ناقد فني

أشرف الحساني / ناقد فني

في 18/04/2023 على الساعة 18:39

مقال رأيلم تنجح المدرسة العمومية في توعية الناس وحثّهم على الاستثمار في الخيال، باعتباره ركيزة قويّة ومختبراً رمزياً قادراً على تثمين تجارب الفرد في الدراسة والتكوين والحياة. إنّ ما يمنحه لنا الخيال من فُسحة للتذكّر والحلم، لا تقوى المعرفة التقريرية على تزويدنا به، لأنّ إمكانات الخيال غير منتهية وصالحة لكل زمان ومكان.

يعتبر الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار أنّ كلّ شيءٍ يبدأ من قصيدة. هذه الأخيرة، بمثابة حلم مُستقطع من وتيرة اليومي. فيكفي قراءة قصيدة وتأمّلها لنكتب أشياء جديدة تتبرعم على فوانيس الذاكرة. ليست كلّ قصيدة مُلهمة وليس كلّ نصّ يعطي للقارئ إمكانات الصمت والحلم والتعبير، بل توجد قصائد خرساء لا تقوى على التعبير حتّى عن نفسها. إنّ ميكانيزمات الخيال الأدبي يتجاوز في مُنطلقاته مفهوم « الغايات » و« الوظائف » فهذه الطريقة البراغماتية في النّظر إلى الرأسمال الرمزي غير صحيحة، لأنّه عبارة عن كتابة تتجاوز السياقات والأزمنة، وتعمل جاهدة للقبض عن اليومي والحميمي في ذواتنا المكلومة. رغم أنّ الشعر لعب دوراً طليعياً خلال مراحل متعدّدة، ومارس سحره وسُلطته على مخيّلة المجتمعات، بما جعلها تخوض صراعاً حقيقياً ضد التقليد. بل إنّ الأدب حرّر الأفراد ودفعهم إلى الصراخ والنقد على كلّ مظاهر التنكيل الذي عانت منه المجتمعات منذ سبعينيات القرن الـ 20.

لا يعنينا هنا الأدب الإيديولوجي الذي انطلق من مُحدّدات سياسيّة، ولكنْ الأدب الذي يُحوّل الواقع إلى مختبرٍ للتفكير والحلم والعمل على إيجاد مخرجات ناجعة تتّصل بالشأنين الاجتماعي والسياسي. بل إننّا نعثر على العديد من السياسيين الذي يعانون من فقر دم الخيال، إذْ لا تربطهم أيّ علاقة بمفاهيم الابداع والابتكار داخل الفضاءات العمومية وطُرق تسييرها. ولا شكّ أنّ التجربة السياسيّة المغربيّة حافلة بالعديد من الأعطاب والعاهات. لا لكون الأشخاص يفتقرون للتكوين والدراسة، ولكنْ بسبب انعدام الخيال الذي يجعل رجل السياسة يخترق كافّة أنساق التفكير التقليدي، ويبتكر أشياء جديدة داخل المجال السياسي.

لم تنجح المدارس العمومية وجامعاتها في المغرب، على تربية الناس وتشجيعهم على الخيال وترويد تفكيرهم ودفعهم صوب البحث عن مجازات واستعارات تُسعفهما للخروج من مظاهر التشرذم والتآكل والضياع التي نُصاب بها أحياناً تجاه الواقع. لقد أنتجت المدرسة إنساناً آلياً لا يُفكر ويُغنّي ويحلم ويرقص نشدانا للحياةـ وإنّما إنساناً افتراضياً مسلوب الهويّة يلهث وراء الضجيج العامّ والأحداث المتسارعة والبرامج الثقافيّة التي تُفاقم من البلادة، أكثر ممّا تدعو إلى التثقيف وتنمية مهارة النقد. إذْ يحرص القيّمون كلّ سنة على تجديد البرامج الدراسية وتغيير واجهة المقرّرات والدفع بها إلى سوق النشر والاغتناء. فلا أحد يعمل على طرح أسئلة تتعلّق بهذه البرامج الدراسية وأسباب انعدام الخيال فيها، مقارنة بأنماطٍ من المعرفة التي تدعّي أنّها تُوجّه التلاميذ والطلبة والباحثين صوب الواقع المعاش وإيجاد فرص للشغل وسط مجتمع متحوّل.

داخل المدارس الابتدائية تغيب محترفات الفنّ، بما يتعلّق بالكتابة والمسرح والسينما والرقص والغناء، باعتبارها مواد مركزية تُساهم في تنمية ومهارات الطفل. وذلك بما يجعل نموّه لاحقاً يُساير تحولات جسده وتفكيره وواقعه. فكيف يجوز تعليم الطفل بدون التربية على الفنّ والخيال وإطلاق العنان لجسده وكافّة تمثّلاته البصريّة والفنّية؟ بهذه الطريقة تُصبح مدارسنا أشبه بمقابر مُغلقة تنعدم فيها كلّ أشكال ومظاهر التعبير الفنّي. بل حتّى بعض بناياتها تُظهر مدى اختلال مفهوم الذوق الجمالي العام داخل المنظومة التعليمية التي تُركت لحالها، دون أيّ حسيب أو رقيب على أفكار أوصلتها لكلّ هذا البؤس الذي تعيشه.

بالفنّ يحيا الإنسان وبالجمال يحتمي من كلّ الأوجاع والمزالق التي تُصيب اجتماعنا. قديماً قال الروائي الروسي الكبير دوستويفسكي بأنّ « الجمال سينقذ العالم » لكنْ كيف يُمكن إنقاذ ما تبقى من فنوننا برامج مدرسة هجينةٍ ونحن نُعاين موتها، وولادة أشباح قبيحةٍ عبارة عن طحالب تنمو على ضفاف ذاكرتنا المثخنة بالجمال؟

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 18/04/2023 على الساعة 18:39