في هذا الحوار، نقف مع المؤرخ عبد الله بوصوف، باعبتاره أحد أبرز المؤرخين المغاربة الذين قاموا بتأليف كتب فكرية ترصد التحوّلات التي بات يشهدها المغرب في عهد الملك محمد السادس:
ـ الأستاذ عبد الله بوصوف، بداية، ما رأيك في طبيعة المشاريع التي قام بها الملك محمد السادس من أجل تعزيز مركزية الشباب داخل المجتمع؟
الحقيقة أنّ جلالة الملك أولى منذ سنوات طويلة عناية خاصة بالشباب، فحتى في خطاب الملكي لعام 1999 ذكر الشباب باعتبارهم ثروة رمزية للبلاد، وأنه امتداد للمشروع الوطني الذي قامت به المقاومة. من ثمّ، فهو يشكل الركيزة لمغرب الغد وللمشاريع التي أتت فيما بعد. فقد عمل الملك محمد السادس منذ عام 1999 إلى حدود سنة 2025 من خلال الأعياد الوطنية تخصيص فقرات للشباب الذين يعتبرهم ثورة رمزية حقيقية تراهن على المستقبل وأن الشباب لا بد أن يشارك في القضايا السياسية بكل ما عرفه المغرب من دستور جديد، حيث خصص جلالة الملك سنة 2011 فقرات خاصة للشباب كما أحدث أيضاً المجلس الاستشاري للشباب.
لذلك أعتبر أنّ جلالة الملك محمد السادس، من الرواد القلائل الذين اهتموا بهذه الثروة الوطنية، لكون الشباب هم عماد الغد وركيزة المستقبل من أجل بناء مغرب متقدّم ومتطوّر، بحكم المشاريع التنموية الحقيقية التي قام بها الملك محمد السادس التي تستهدف الشباب وهي متنوعة تمزج بين المهني والثقافي والجامعي والرياضي، هذا بالإضافة إلى المشاريع الإنمائية مثل « فرصة » و« أوراش » ومؤسس محمد الخامس للتضامن ومشروع التنمية البشرية وغيرها من المشاريع المتكاملة التي تشمل جميع القطاعات التي كان الغرض منها بشكل أساس وضع الشباب ضمن المشروع التنموي المغربي.
ـ إلى أيّ حد استطاعت هذه المشاريع الاقتصادية والثقافية ترسيخ مكانة الشباب داخل المشروع التنموي للمملكة؟
نعم هناك العديد من المشاريع، فإذا نظرنا إلى جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، فقد راهنت على تكوين النخب الشابة خاصة في القطاعات ذات الأولوية المتعلقة بالاقتصاد الوطني، بل وحتى الاقتصاد العالمي مثل الفلاحة الذكية والتكنولوجيا المعاصرة والذكاء الاصطناعي، وهي مشاريع تؤكد نجاعة الرؤية الملكية الحريصة على بناء مواطن الغد.
هذا بالإضافة إلى أكاديمية كرة القدم التي مكّنت الشباب من الجمع بين الدراسة والرياضة وقدّمت لنا العديد من الشباب المتكوّن في هذا المجال انخرطوا، سواء في الفريق الوطني أو بالفرق الأوروبية. ثم طموح خلق مشروع ذكي خاص بمدينة إلكترونية خاصة بالألعاب الإلكترونية وتُصرف عليها ميزانيات كبيرة وتحتضن الشباب وتُمكّنهم من الإبداع، وهي أوّل مدينة إلكترونية عربياً وإفريقيا.
لذلك، فإنّ جلالة الملك محمد السادس، يهتم كثيراً بالشباب ويدفع الحكومة ومختلف الفاعلين السياسيين إلى تنزيل مضامين هذه الخطابات وتخصيص ميزانيات في القوانين المالية التي تستجيب لمثل هذه الاعتبارات الرائدة التي تحدث عنها جلالة الملك في مجموعة من الخطابات.
كما أنّ الملك لم يستثني مغاربة العالم، حيث خصص لهم سنة 2022 خطاباً للحديث عن شباب مغاربة الخارج وجعلهم ينخرطون في مختلف الأوراش الوطنية، سيما في مجال الاستثمار وربطهم بوطنهم الأم وثقافتهم وتاريخهم والإطار المؤسساتي الذي ينتمون إليه. لهذا فإنّ جلالة الملك لم يستثني يوماً شباب مغاربة العالم وظل دائماً يعطي تعليمات حول ضرورة الاهتمام بالشباب وبلورة سياسات عمومية تستجيب لمطالبهم وانتظاراتهم.
ـ كيف ترى وتقيّم مشروع الرؤية الملكية داخل المجال الدبلوماسي، سيما بعد الاعترافات الدولي الأخيرة حول مغربية الصحراء؟
الحقيقة في المجال الدبلوماسي، نجد هناك اتفاق كبير في كون ما يقوم به الملك يندرج ضمن دبلوماسية راقية ورائدة وناجعة لكونها تحقق مجموعة من الأهداف، لأن هذه الاعترافات المتوالية للدول الكبرى والذين هم أعضاء في مجلس الأمن مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر حاملة القلم في مجلس الأمن وتحرر القرارات التي يتخذها أعضاء المجلس.
لذلك فإنّ الاحترام الذي يحظى به المغرب في مختلف دول العالم، بل والذي يحظى به شخصياً جلالة الملك والذي يتبدّى في زياراته المختلفة للعالم، نظراً لهذا الرصيد والزخم والتراكم، أولا لأن الملك يتميّز بالحكمة في التدبير والصرامة المعقلنة التي تأخذ بعين الاعتبار كلّ الشروط الموضوعية التي تترك الآخرين يحترمون جلالة الملك.
لذلك فإنّ كلّ ما تحقق على أرض الواقع نابع من هذه النظرة الاستباقية لجلالة الملك، كما هو الحال في إفريقيا مثلاً من خلال الدبلوماسية الروحية التي يقوم بها وكيف تهبّ الجموع من الناس إلى مرافقة جلالة الملك إلى المطار، وهذا يدلّ على أنّ الدبلوماسية التي يشرف عليها جلالة الملك ناجحة سواء كانت مباشرة عن طريق وزارة الخارجية أو موازية عن طريق البرلمان أو ثقافية وروحية عن طريق المؤسسات الدينية والثقافية.
ـ ماذا عن مركزية الشباب داخل العمل السياسي، هل ترى أنها تدخل ضمن الرؤية الملكية وما الثمار التي يمكن أنْ نجنيها وراء ذلك؟
أعتد أنّ صاحب الجلالة أعطى الأولوية الكبيرة جداً لمشاركة الشباب في المجال السياسي، حتى أنه خصص خطاباً وطلب تخصيص ميزانية جديدة للأحزاب من أجل المساهمة في تأطير الشباب. كما أنّ الملك نبّه إلى ضرورة إشراك الشباب في الفعل السياسي وتجديد النخب، أيْ عن مشاركة الشباب في العمل السياسي وتدبير الشأن العام. لذلك يجدر بالأحزاب أنْ تفعّل هذه الخطابات وتُحفّز الشباب من أجل دفعهم للمشاركة السياسية، لأن هذه الأخيرة لا يمكن أنْ تمارس بدون شباب.




