هذا التهريج باسم الثقافة، يُطالع المرء داخل عددٍ من المهرجانات السينمائية التي تحوّلت إلى أشبه بضيعاتٍ يحميها أشخاصٌ لا يتغيّرون، إذْ يضربون للمغاربة موعداً سنوياً مع الوهم. أفلامٌ قديمةٌ يتم عرضها، مع أنّ هذا الأمر يتنافى مع سياسات المهرجانات السينمائية، إلاّ إذا كان الفيلم المعروض يدخل في باب بعض الفقرات الفنية التي تحتفي بصنّاع السينما وذاكرتها. الغريب أنّ هذه السلوكات المُخجلة تتكرّر من مهرجانٍ إلى آخر دون أي حسيب أو رقيب، سواء من المؤسسات المانحة للدعم أو من لدن النقاد أنفسهم.
واقعٌ مُفبرك يتستّر عليه الكلّ لأغراض في مُجملها براغماتية. يندهش المرء من عدد المهرجانات السينمائية في المغرب لدرجةٍ تفوّق فيها البلد على الساحة الفنية المصرية، غير أنّ هذه الأنشطة الفنية، لا تُقدّم أيّ جديدٍ من ناحية العرض وخلق ثقافة سينمائية بالمدن التي تُقام فيها المهرجانات. رغم أنّها موزّعة فقط على مدن المركز، بما يجعلها خاصّة بشريحة من المجتمع دون غيرها. فالأفلام المعروضة يستفيد منها الضيوف الذين يُفضّلون الجلوس في المقاهي والحانات والمطاعم، بدل الدخول إلى صالات السينما. فتجد داخل القاعة عدد قليل، أغلبهم من الإعلام يريدون تغطية يوميات المهرجان والحصول على تصريحات من الممثلين والمخرجين.
هذه الظاهرة أصبحت مستفحلة بالمغرب، بل إنّها تتكرّس يوماً بعد يوم، باعتبارها تدخل في باب الحداثة الفنية. في وقتٍ حقّقت فيه مهرجانات سينمائية عربية مكانة كبيرة عن طريق عرض أفلام مميّزة وخلق نقاشات حقيقية بين النقاد والمخرجين، بما يضمن للثقافة السينمائية امتدادها داخل المجتمع، بدل أنْ تبقى داخل أسوار المهرجانات وسراديبها المُظلمة.
داخل المهرجانات السينمائية ثمّة وجوهٌ لا تتغيّر. فرؤساء المهرجانات تراهم في كلّ المناسبات. بل إنّ بعضهم يتعمّد سنوياً دعوة رؤساء مهرجانات سينمائية عربية كبيرة ويضعهم داخل لجانٍ تحكيم، رغم أنّ لا أحد يعرفهم من الوسط السينمائي ولم يُقدّموا أيّ جديدٍ يُعوّل عليه من الناحية الجمالية. لكنْ مع ذلك، تجدهم أمامك في ماستر كلاس وندوات النقد، دون أنْ يُقدّموا جديداً سينمائياً يُذكر. وبعد أسابيع قليلة تعثر على رئيس مهرجان مغربي داخل لجان تحكيم مهرجان سينمائي عربي. مع العلم أنّ هذا المدعو لا أحد يعرفه، لأنّ عمله له علاقة بالتنظيم لا أكثر.
لقد أصبح رؤساء المهرجانات السينمائية على تواضع مستواهم المعرفي وثقافتهم السينمائية الهزيلة، عبارة عن سفراء للسينما المغربية في المهرجانات العربية. أمرٌ مُخجل أنْ تتحوّل فيه المهرجانات إلى بطاقة هوية وحظوة للعبور صوب مهرجانات أخرى، في وقتٍ يتناسى فيه أصحابها كلّ التضحيات الجسيمة التي قدّمها ممثلون ومخرجون ونقاد في سبيل خلق ثقافة سينمائية مميزة وذات قوّة وتأثير على المجتمع.