نعثر في الفن التشكيلي على نموذج كبير لهذه العلاقة التي يُمكن أنْ تتبلور مع عنصر الهوية. ذلك أنّ مدرسة الدارالبيضاء أو جماعة 65 استطاعت أنْ تُبلور لها أفقاً بصرياً مغايراً عن باقي التجارب الفنّية الأخرى. فقد راهنت على التراث باعتباره مختبراً بصرياً قادراً على اجتراح أفق فني جديد استطاع من خلاله الفنانون المغاربة اجتراح لغة بصرية أكثر تجذّراً في الهوية. إذْ اعتمد الفنانون على لغةٍ قريبة من تاريخهم وذاكرتهم وجعلوها تتّخذ بعداً عالمياً من أجل القطع مع الثقافة الغربية الموروثة عن الاستقلال. ورغم اعتماد فريد بلكاهية ومحمد شبعة وأحمد الشرقاوي على مفهوم السند كما هو متداول في الغرب، فإنّ مضامين اللوحات ظلّت تهجس بمفاهيم تتعلّق في عمومها بالذاكرة والتاريخ والهوية. وبالتالي، فإنّ الرهان على هذا الأمر، يُعدّ مدخلاً لنوعٍ من الحداثة الفنّية التي لا ترهن وجودها بالآخر ولا تطمح إلى استعارة الذائقة الغربية للتعبير عن همومها وإشكالاتها، بقدر ما تطمح إلى الانطلاق من خصوصياتها الوطنية.
شكلت أعمال فريد بلكاهية أفقاً جديداً للتشكيل المغربي، بحكم أنّ الرهان على تغيير السند واستخدام المواد المحلية أعطى لتجربته بعداً كونياً. فقد حرّر بلكاهية مفهوم المادة وجعل عملية الاشتغال أشبه بسفرٍ في تخومها، إذْ أنّ استخدام بعض المواد مثل الحناء والزعتر والقهوة والتراب والرمال ووضعها على جسد اللوحة يمنحها وجوداً وانتماءً. وساهم هذا الاختيار الفنّي في بروز نوع من الوعي لدى لفنانين بقيمة المواد الموجودة ببعض المناطق. بحي كان هذا التعامل مع المادة أشبه بفتحٍ داخل مجال تشكيلي كان آنذاك يتهجّى مبادئ التفكير في الحداثة الفنية. أمّا أحمد الشرقاوي فقد جعل من العلامة عبارة عن هوية بصريّة بلور من خلالها مشروعه الفني القائم على المغايرة والاختلاف. في حين حرص محمد المليحي على تصوير طفولته من خلال شكل فني هندسي يجد في فضاء الموجة أفقاً له.
لم يكُن التراث لدى جماعة 65 وسيلة أيديولوجية لقطع الصلة فنياً بالغرب، بقدر ما تمثّلوه كهوية فنية تقودهم صوب العالمية. وهذا بالضبط ما حدث لهذه التجارب التي تمثل اليوم تراثاً تشكيلياً كبيراً يُحتفى به عالمياً ويعمل على منواله فنانون مغاربة جعلوا من التراث ملاذاً آمناً لهم.