شهد المغرب منذ منتصف القرن العشرين على العديد من المثقفين امتلكوا وعياً حقيقياً تجاه مفهوم التاريخ، وبرز هذا الوعي بحدّة في مُنجزهم البحثي، سواء من خلال كتاباتهم الصحفية أو تأمّلاتهم الفكرية أو يومياتهم السياسية. وكانت هذه الطينة التي اختفت اليوم من المشهد العربي ذات تكوين عصامي. ورغم أنّ العديد من هذه الوجوه لم تمتلك اطلاعاً ومعرفة بالنظريات الحديث بحكم السياق التاريخي الذي وُجدت فيه، إلاّ أنّ بعض المثقفين، امتلكوا شغفاً حقيقياً بالمعرفة الحديثة، فكانت مؤلّفاتهم تُضمر بعضاً من مباهج الحداثة وتعثراتها.
من هذا المنطلق يأتي كتاب الخطيب، ليُعيد تقديم هذه الفئة من المثقفين العصاميين من خلال نموذج المثقف التهامي الوزاني، ككاتب ومؤرّخ لعب دوراً كبيراً داخل الوسط الثقافي وتجسير علاقاته مع العديد من مدن المشرق. يقول إبراهيم الخطيب « عرف المغرب، فيما بين الحربين العالميتين، ظهور طبقة من المثقفين تتوفّر على وعي ظرفي وتاريخي. والملاحظ أن هذه الطبقة تبلورت خاصّة في مدن مركزية (تطوان، فاس، سلا، الرباط، مراكش) وداخل أسر ذات ماضٍ اقتصادي أو سياسي أو ثقافي ـ ديني لا يخلو من أهمية سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد الوطني. ويمكن القول بأن النموذج الأصلي لهذه الطبقة يتحلى في المثقف المسيّس ذي النزعة الوطنية، الذي يشارك في الحياة الثقافية والتربوية ويعتبر تطوّر بلاده مسألة الساعة ».
من ثمّ، يرى إبراهيم الخطيب بأنّ « التهامي الوزاني تجليا متميزا للمثقف المذكور، فطيلة سبعين سنة من حياته، لك يكف هذا الرجل العصامي (الذي لم يتلق تعليما منظما إلا سنة واحدة) عن الكتابة والتقلّب في ضروب الممارسات، فكان صحفياً وكاتباً ومؤرّخاً وسياسياً ومربياً ورجل دين. ويجدر بنا أن نلاحظ أن إنشاءه لمطبعتين هما « مكتب النشر » و« الريف » بتطوان، في أواسط الثلاثينات، كان حدثاً حاسماً سواء على الصعيد الشخصي (صعيده هو ككاتب أو على الصعيد الوطني(تطوّر حركة الطباعة والنشر في المغرب وارتباطها ببزوغ الوعي السياسي) ».