يعتبر صلاح بوسريف واحداً من الشعراء المغاربة الذين عملوا فيما كتبوه شعراً ونقداً على تجديد مفاهيم الشعر وصنعته. بيد أنّ هذا التجديد لم يكُن وليد الصدفة، بقدر ما تؤسسه ثقافة كبيرة وسياحة واسعة في تاريخ الفكر البشري. فالشعر عبارة عن خطاب مركّب تُمتزج فيه المعرفة بالتخييل. على هذا الأساس يُعد الشعر أصعب الأجناس الأدبيّة التي لا تتأتى كتابتها من فراغ، بقدر ما تضمر معرفة كبيرة بماضي هذا الشعر ومفاهيمه ونظرياته. لهذا فإنّ القارئ لكتابات بوسريف سيجد نفسه أمام كتابة مخاتلة لا تريد أنْ تبقى في حدود « القصيدة » بقدر ما تُوسّع آفاقها صوب الشعر بمفهوم المركّب والواسع. المعرفة تعتبر شرطاً في بناء شعرية العمل الشعرية فبدونها يغدو الشعر مجرّد تدريب إنشائي يقع على هامش اللغة ومداراتها. بيد أنّ هذا الجانب المعرفي لا يرتبط بسيرة صلاح بوسريف، وإنّما يعتبر علامة فارقة في تجربة الثمانينيات، أيْ الجيل الثالث في المشهد الشعري المغري المعاصر.
يقول الشاعر في تقديمه للكتاب « بدافع غامض، لا أعرف ما يكون، رأيت أن أكتب هذا الجزء من سيرتي الشعرية، لا بمعنى السيرة التي أتحدث فيها عن حياتي أو عن بعض حياتي، كما يفعل الشعراء والكتاب وغيرهم، ممن أتيح لهم أن يكونوا في قلب الحدث الثقافي أو الفني، بل بمعنى السيرة النظرية، الفكرية والجمالية التي يكون فيها الشعر هو موضوع الذات أو تكون فيها الذات بمعناها الشعري الجمالي، أعني الذات الكاتبة، أو الشاعرة بالأحرى، التي وجدت نفسها في ماء، إما أن تتعلم السباحة فيه لتنجو من الغرق، وإما أن يستغرقها الماء فتطفو على سطحه مثل قشة تدفعها الريح في كل اتجاه، دون إرادة أو رغبة منها ».



