وتأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يُبعدنا قليلا عن عوالم سعيد يقطين النقدية بكل مفاهيمها ونظرياتها ويقترح علينا هذه المرّة أنْ يبوح ببعض من أسرار الكتابة في علاقتها بكتّاب آخرين. وهي كتابات تتمتّع ببعضٍ من الذاتية التي نفتقدها في مؤلفات أخرى ذات نمطٍ معرفي. غير أنّ الكتابة هنا لها مذاق آخر بحكم أنّها تكون خالية من ربقة النظريات المعرفية والمفاهيم النظرية، صوب كتابة ذاتية حميمية مفتوحة على الجسد. هنا تصبح الكتابة عبارة عن بوح صادق تجاه آخرين يشاركوننا نفس مشاغل الكتابة وآلامها. لكنّ عودة الكتابة عن الآخر لا تكاد تخلو من الكتابة عن ذواتنا أوّلاً والتي تكون عبارة عن معبر تجاه الآخر وكتاباته وفكره وذائقته الجمالية. كما تنبع أهمية هذا الكتاب في كونه يكشف لنا بعضاً من سيرة سعيد يقطين الحياتية في علاقته بمفكرين وأدباء، بما يجعل الكتابة أشبه بشهادة صداقة واعتزاز تجاه الآخر.
يقول يقطين عن كتابه الجديد « يحتوي هذا الكتاب على ما استحضرته في لحظتي الحزن الفرح: التأبين أو التكريم لشخصيات جمعتني بها ذكريات أو صداقة معرفية، مؤملاً أن تتاح لي فرصة استكمال ما كتبته عن شخصيات أخرى قديمة ومعاصرة، لتكون ليس فقط تجسيداً لعلاقة الصداقة بالكتابة، ولكنْ أيضاً لتأكيد أن القلم مثل الدواة يمكن أن يجعلنا كل منهما إخواناً وأصدقاء وإنْ تعدّدت ألوان المداد أو الأقلام ».