وحسب الباحث « تعتبر الوثائق على اختلاف أنواعها مادة التاريخ الأولى التي لا يقوم إلا عليها، وهي ذاكرة الجنس البشري من أفكار وأعمال وأفعال، فإن ضاعت ضاع التاريخ. وقد أكد ابن خلدون في المقدمة على أن التاريخ إن كان في ظاهره لا يحيد عن الأيام والدول، فإنه في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، أي أنه علم نقد وتحقيق وتدقيق. والمعرفة التاريخية في عمومها معرفة غير مباشرة وكل عمل تاريخي يقتضي جمع مادته المعرفية إلا أن تحليلها واستنباط ما تختزنه من معلومات يتطلب ضوابط ومحددات وخطوات علمية دقيقة، كما أن التاريخ لا يكتب بالأفكار والأحكام المسبقة ولا هو مجرّد تاريخ وقائع الماضي وإنما يبنى باعتماد الوثائق المحققة والموثقة ».
تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يفتح للباحث في التاريخ إمكانات التفكير في الوثيقة ودورها في كتابة التاريخ. كما أنه يدعو بشكل مبطّن الباحثين إلى ضرورة البحث عن وثائق جديدة بإمكانها إعادة كتابة تاريخ جديد متخلّص من ربقة التكرار والروايات الرسمية التي تحوّل التاريخ إلى مجرّد خطاب إيديولوجي لا أكثر.
يضيف الباحث « وإسهاماً في إغناء المعرفة التاريخية على مستوى المنهج، خصصنا هذا الكتاب لتحليل الوثيقة وتحقيق المخطوط مع إبراز أهميتها في الكتابة التاريخية وتحديد الأبعاد المهيكلة للخطاب التاريخي، ما دامت صناعة المؤرخ تقوم على النقد والتحقيق والمقابلة وربط الأسباب بالنتائج مع التحليل ».



