الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.. طقوس وعادات تعزز روح الانتماء والتنوع

احتفال الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية

في 14/01/2025 على الساعة 20:36

يعكس الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ارتباط المغاربة بثقافتهم الغنية وبإرثها اللامادي الذي يشكل رصيدا وطنيا مشتركا يتجاوز حدود اللغة ويعزز روح الانتماء والتنوع.

ويعد الاحتفال الرسمي بالسنة الأمازيغية هذه السنة، الثاني من نوعه بعد أن جرى إقرار هذا اليوم كعطلة وطنية رسمية بأمر من الملك محمد السادس، الذي أصدر توجيهاته السامية إلى رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي.

ويشكل رأس السنة الأمازيغية مناسبة للاحتفاء بما راكمه المغاربة من معارف دقيقة بالنظم البيئية، وقدرتهم على التكيف معها، كالتنبؤ بمواقيت الأمطار، وهي الخبرات التي صقلت الشخصية المغربية وأضفت عليها طابعا ثقافيا مميزا ذا دلالات وأبعاد رمزية متعددة.

وفي هذا الصدد، قال أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر، الحسين بويعقوبي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن أهم الدلالات الثقافية والاجتماعية التي تكتسيها الممارسات والطقوس المرتبطة بهذا الاحتفال تتلخص في ارتباط كل منها بمجال معين، مضيفا أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية أصبحت له أبعاد أخرى اليوم، لاسيما فرجوية وتنموية.

وأوضح أن هذه الممارسة الثقافية لا تقتصر على منطقة مغربية دون أخرى، بل تمتد لتشمل مناطق مختلفة، فنجدها في هضاب بني كيل بأقصى الشرق، كما نلاحظ حضورها في جبال تاونات وسهول دكالة، مع تسجيل اختلافات في أساليب الاحتفال والتسميات المرتبطة بها.

وسجل الباحث أن الطابع الاحتفالي لهذه المناسبة يمثل مدخلا من مداخل التنمية من خلال ربطه بالاستراتيجيات التنموية للجماعات الترابية، مبرزا أن شهر يناير يتحول إلى فترة تنشيط ثقافي كبير، يصاحبها رواج اقتصادي هام، وهذا ما يعزز الجاذبية المجالية للجماعات الترابية التي تولي أهمية لهذه الاحتفالات.

من جانبه، أكد أستاذ التاريخ بالجامعة ذاتها، عبد العزيز ياسين، أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية يعد ممارسة ثقافية عريقة ومتجذرة في تاريخ المملكة، تمتد عبر الزمان والمكان.

وأوضح أن هذه الممارسة الثقافية، التي تحضر أيضا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، بقيت متجذرة رغم استقبالها لموجات بشرية متنوعة، مبرزا أن الرمزية المرتبطة بالاحتفال تمنح الهوية للإنسان والأرض، إذ ظلت هذه الاحتفالية، رمزا من رموز الهوية المغربية العريقة والمتنوعة.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن الاحتفال، على الرغم من كونه فلاحيا بالأساس، فإنه ليس مقتصرا على المزارعين، بل يشمل أيضا الرعاة الذين « يعتمدون على هذا التقويم في تنظيم أجندتهم ».

وخلص إلى أن الاحتفال داخل الأسر في هذه المناطق لا يمكن فصله عن المناطق الأخرى، « لكونه يظل تقليدا عريقا لا خلاف حول استمراريته وأهميته ».

ومن أقصى جنوب المغرب إلى شماله، ما زالت العديد من المناطق المغربية، رغم كون سكانها ناطقين بالعربية « الدارجة »، تحتفل بهذه المناسبة الفلاحية عبر طقوس واحتفالات كانت تمتد لثلاثة أيام، كما هو الحال في منطقة التسول بإقليم تازة.

#MapImage المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 (الرباط - 13 يناير 2025)

Publiée par Agence MAP sur Lundi 13 janvier 2025

وفي هذا السياق، اعتبر الباحث في التراث الشفوي لمنطقة التسول، أحمد لزعر التسولي، في تصريح مماثل، أن احتفالات رأس السنة الأمازيغية في قبيلة التسول هي مناسبة للأطفال بامتياز، حيث يتم اختبار مدى نضجهم وتحضيرهم للانتقال إلى « عالم الكبار » والاحتفاء بهم من خلال منحهم هدايا رمزية.

وأضاف التسولي أنه يتم طبخ « المردود » في قدر طيني على ثلاث أثافي، حيث يضع الأكبر سنا في العائلة بعضا منه على هذه الأثافي ويسمي كل واحدة منها بشهر، ثم يتم التنبؤ بالغيث بناء على درجة رطوبتها.

وأشار إلى أن النساء يقمن بإعداد « الكحايح » في صباح اليوم التالي، وهي أقراص خبز صغيرة مزينة بالزبيب، بحيث ت عجن تبعا لعدد الأطفال والأحفاد، إذ يرتبط كل قرص خبز باسم أحدهم.

ولفت إلى أن هذه « الكحايح » يتم طبخها ويحتفظ بها لمدة ثلاثة أيام دون أن ت مس وخلال الليل، تضع الجدة أو الأم بقعة من السخام على سرة الأطفال، وتخبرهم أن « لالة حاكوزة » هي من فعلت ذلك وستعود لمعاقبة من يأخذ من « كحاحته »، ما يحفز الأطفال على الانضباط.

وتابع الباحث أنه في اليوم الثالث، يتم إشعال النار ويظهر أحد الشباب في هيئة مرعبة تجسد شخصية « حاكوزة »، ما يرسخ في أذهان الأطفال صورة تربوية تروم تقويم سلوكهم، مبرزا أن هذه الطقوس تجمع بين الاحتفال والجانب الغرائبي، ما يعكس عراقة وتنوع هذا التراث اللامادي.

في خنيفرة.. تقاليد عريقة تنبعث مع حلول إيض يناير

مع حلول (إيض يناير) أو رأس السنة الأمازيغية، تعود ساكنة خنيفرة، كما هي عادة الزيانين، إلى تقاليدها العريقة التي تؤثث الاحتفالات المصاحبة لهذا اليوم الذي أضحى عطلة وطنية.

ويحمل هذا العيد شحنة رمزية قوية يمتزج فيها العيش المشترك مع تقاليد الأجداد، حيث يحيي الخنيفريون عادات تتجسد في الطبخ والملابس كما كانوا عليه بالأمس، في لحظة يلتقي فيها الماضي بالحاضر.

ولم تشد الجماعة الصغيرة حد بوحسوسن الواقعة في منطقة جبلية عن القاعدة بهذه المناسبة، مع حلول الظهيرة، تعمد الفاعلة الجمعوية سعاد ميموني بمعية نسوة من جيرانها وقد تزينت جميعهن بأزيائهن الأمازيغية المزركشة بألوان زاهية، لإعداد أطباق عريقة تحمل ذاكرة جماعية حية.

وتقوم هؤلاء النسوة بإعداد أطباق رأس السنة الأمازيغية بشغف واضح، تنبعث منها نكهات التوابل والخضار الطازجة واللحوم أو أطباق الكسكس المعد يدوياً بدقة، وذلك في استحضار قوي لخصوبة التربة، بما يجعل من (إيض يناير) مناسبة تعكس العلاقة المقدسة بين الإنسان والطبيعة.

ومع إطلالة المساء، تكون الموائد قد امتلأت بأطباق محضرة على التقاليد الأمازيغية الأصيلة التي دأبت نساء حد بوحسوسن على إعدادها سنة بعد أخرى، وهي أطباق لا تجسد فقط كرم وضيافة قبائل زيان، بل تشهد أيضا على أهمية التعايش والتقاسم في الثقافة المغربية.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكدت السيدة ميموني أن احتفالات (إيض يناير) بمدينة خنيفرة تظهر بجلاء تمسك الساكنة المحلية بهويتها الأمازيغية، مبرزة أن هذا الحدث الذي يتزامن هذه السنة مع ليلة 14 يناير وفق التقويم الميلادي، لا يمثل فقط بداية عام جديد، وإنما فرصة للتذكير بتقاليد السلف.

وأوضحت أن النساء في هذه المناسبة يتشحن بأجمل أزيائهن الأمازيغية التي ترمز إلى الأناقة وتبجيل التراث، مذكّرة بأن (إيض يناير) يشكل فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، ونقل التراث الغني للمنطقة إلى الأجيال اللاحقة.

ويتم إحياء هذا العيد على الوجه الأمثل في تقاليد الطبخ التي تختص بها المنطقة من خلال أطباق رمزية تعكس ثراءها، من بينها الكسكس بالخضر ذو الحضور القوي في فن الطهي المغربي، و(هربر) الذي هو حساء بالشعير يتم تقديمه مع قليل من زيت الزيتون، وطبق الرفيسة الذي يتم إعداده بالتريد والدجاج البلدي والعدس والحلبة.

لذلك، فإن (إيض يناير) أكثر من مجرد احتفال بحدث، مناسبة تظهر تشبث قبائل الزيانيين بتقاليد الطهي العريقة التي يتهددها النسيان، ويحاول سكان الأطلس المتوسط، بشكل حثيث، إدامتها والحفاظ عليها.

بالنسبة لكافة ساكنة مدينة خنيفرة، يشكل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، كعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، لحظة فرح يعبرون من خلالها عن الاعتزاز بالهوية المغربية المتعددة.

تحرير من طرف وكالة المغرب العربي للأنباء
في 14/01/2025 على الساعة 20:36