بمجرّد أنْ يُوارى جسده بالتراث لن يتذكّر أيّ أحد مصطفى الداسوكين ليس لأنّه ليس فناناً كوميدياً مؤثّراً في الحياة اليومية، بل لأنّ آفة الثقافة المغربية هي النسيان. إذْ بمجرّد أنْ يرحل المثقف يصبح مشروعه الفني محض خرافة وهباء. هل المشكل فينا نحن كنقاد لا نتذكّر مثل هذه الوجوه التي طالما صنعت مجد المسرح والتلفزيون في المغرب؟ أم أنّ المؤسسات الوصية على الشأن الفنّي على حسن نيتها لا تعمل بين الفينة والأخرى على تذكّر مشاريع الناس الذين رحلوا، سواء عبر ندوات أو لقاءات أو معارض فوتوغرافية تعرض صورهم الفوتوغرافية وتستعرض مسار حياتهم في مجال المسرح والسينما والتلفزيون؟ أعتقد أنّ طبيعة الواقع الذي ننتمي إليه ووضعية الفنون عموماً في المغرب باعتبارها مجرّد إكسيسوار تجعل الفنّانين يعيشون نوعاً من الغربة وهم أحياء في وطنهم وليس فيما وراء القبر.
ليس مصطفى الداسوكين مجرّد ممثل كوميدي عاديّ، بل يُعد أحد الرموز الكبيرة التي تطبع الكوميديا في المغرب. لم يطلّ علينا الداسوكين في يوم من الأيام بمعطف المخرج ولا بقبعة المغني أو كاتب سيناريو، بل ظلّ حريصاً على تقديم نفسه كفنّان كوميدي صانع للفرحة والبهجة في قلوب الناس، انطلاقاً من عددٍ كبير من المسرحيات والأفلام والمسلسلات التي شارك فيها وحرص دوماً على إمتاع الناس بمشاهده الكوميدية الساحرة. لا أستعيد هنا مسار الداسوكين بقدر ما يتحرّك في دواخلي الآن شعور غريب كيف تم نسيان الرجل دال المشهد الفنّي المغربي، إذْ لم نعُد نراه مشاركاً في مسرحيات وأفلام، في وقتٍ نُشاهد فيه يومياً أشخاص يفتقرون إلى الموهبة، فنانون يعانون من فقر دم الإبداع وغير قادرين على تقديم أداء فني ساخر وذلك على أساس أنّ الكوميديا من العناصر الصعبة التي يستحيل على المرء تعلّمها إذا لم يكُن أصلاً بتوفّر على بعض من الموهبة. إنّ قدرات الفنان الراحل بسيطة في الأداء، لكنّ صدقها وطريقة توظيفها داخل المشاهد الفنّية يعطي للرجل مصداقية داخل الوسط الفنّي.
غاب الداسوكين كثيراً عن الوسط الفنّي والذي لا نعرف حقاً السبب، ولكنّه يبقى في مقدّمة الأسماء التي لم نعُد نراها على الشاشة الصغيرة. في وقت نرى فيه أسماء أخرى ما تزال حاضرة وتبدو وكأنّها تحتلّ الأعمال المسرحية. إذْ يعتبر البعض عن طريقة اشتغال الداسوكين لم تعُد تتماشى مع طبيعة التحوّلات التي باتت تعرفها الأعمال المسرحية المعاصرة، مع العلم أنّه لو تم الاشتغال على الداسوكين وغيره من الوجوه الفنية من نفس الجيل سيتم تقديم مادة كوميدية هادفة وتستجيب لتحوّلات مفهوم الأداء داخل المسرح المعاصر.