وأتي هذا الاحتفاء على خلفية اصدار كتابه الجديد، ضمن منشورات دار توبقال للنشر بالدار البيضاء بعنوان: « الشعر والشر في الشعرية العربية »، بحجم متوسط، من 230 صفحة. ويتناول هذا الكتاب مسألة الشعر والشر لصلتها المباشرة بالشعرية العربية، التي تقاطعت، عبر تاريخها الطويل، مع موقف الإسلام من الشعر والشعراء.
ففي نظر صاحب كاتب « الحداثة المعطوبة » « يعود طرح هذه المسألة إلى بدايات البناء النظري لنقد الشعر عند العرب، في القرن الثاني للهجرة، حيث ربط الأصمعي بينهما في قولة له يعرف بها الشعر عند العرب بأنه نكدٌ بابه الشر، ويرصد المكانة العالية لحسان بن ثابت في الجاهلية، عندما كان يوافق شعر الفحول، ثم سقوط هذه المكانة بعد دخوله الإسلام، عندما أصبح يسلك طريق الخير في شعره الذي يمدح به النبي ويدافع فيه الدين الجديد ».
ليست المرة الأولى التي يُدهشنا فيها بنيس بكتاب جديد، فقد سبقته كتب أخرى تتّصل بنقد الشعر، والتي تظلّ الأهم داخل النقد المغربي، بحكم سبقها إلى طرح إشكالات وقضايا أكثر خصوصية وثراء في توليد نقدٍ مغاير ينظر للشعرية العربيّة في ضوء ما استجدّ فيها من معارف معاصرة تثري بزخمها نظام الكتابة وتُوهّجها من الداخل، بما يجعلها تنفتح على أفق نقدي مغاير.
وقد اعتبر محمد بنيس، بأنّ قولة الأصمعي، الجريئة بانتصارها للشعر، مسكوت عنها في الثقافة العربية، لأنها تهدم مرجعية الخير التي تتعارض مع الإبداعية الشعرية. وقد تم تناول هذا الموضوع، ذي الحساسية الشديدة، برؤية نقدية تفصل بين الشعر والأخلاق، في ضوء مفهوم الشعرية العربية المفتوحة. رؤية تعتمد على اللغة العربية وثقافتها، عبر تاريخها الطويل وعبر خطابات مختلفة تجمع بين الشعر والقرآن والحديث وفقه اللغة والنقد والبلاغة وعلوم القرآن، وما كان لها من صلات مع الفلسفة والتصوف. وهي بذلك رؤية ترصد للقراءة إمكانيتها الخاصة في بناء معرفة حديثة بالشعرية العربية ».