تأتي قيمة هذا المؤلف في كونه يتيح للباحث إمكانية فهم العلاقة بين المؤرخ والفيلسوف ومدى حدود التقاطع والتلاقي بينهما. خصوصا وأن المكتبة المغربية لا تحبل بمثل هذه الدراسات التي تنظر إلى التاريخ من وجهة نظر فكرية تتأمل المناهج والمفاهيم والنظريات وتسعى انطلاقا منها إلى التفكير في كتابة تاريخ مغاير يبتعد كل البعد عن الرواية الرسمية في كتابة التاريخ. لهذا يسعى الباحث في كتابه هذا إلى وضع فلسفة التاريخ ضمن إطار التفكير، بحكم الإمكانات التي تتيحها هذه الفلسفة إلى المؤرخ، إذ تسعفه على تعميق نظرته إلى التاريخ.
نقرأ في الكتاب «قليلة هي الكتب التي تحمل أطروحة جديدة. ويُعَدُّ هذا الكتاب من هذا النوع النادر. إذ بناءً على مفهوم «الكمال» وثلاثية «الذاتية والبَيْنذاتية والبَيْنية»، أقام المؤلف أساسًا نظريًّا قرأ به النتاج الإسطوغرافي، وفلسفات التاريخ، التي فَرَّعَها على صنافة كانط في ثلاثة تشكيلات هندسية. بدءًا من استثمار أفلاطون لـ «كذبة هيزيود» ، إلى تحويلها اللاتيني مع أوفيديوس، ومن سجال المسعودي مع سنان بن ثابت إلى «عمران» ابن خلدون، ومن علموية رانكه وسينيوبوس إلى حوليات بروديل وفيفر، ومن سقوط كانط من علو «الترنسدنتال» إلى «لون الجلد»، ومن «مكر المطلق» عند هيجل إلى «ورطة النسق» الماركسي، ومن نقدية مربورغ وهايدلبرغ إلى إشراط فلسفة التاريخ بالمجاز البلاغي مع هايدن وايت. إنها رحلة معرفيَّة ثريَّة تجعل من هذا الكتاب متنًا مكتنزًا يستحقُّ القراءة بل المدارسة» .




