إنّ العمل وفق هذا التوجّه داخل الصحافة المعنية بأخبار النجوم وفضائحهم وويلاتهم، يُقزّم من حجم السينما، باعتبارها فناً وفكراً، بحيث يتراكم داخل المجال السينمائي عناصر لا علاقة لها بالسينما. كتاباتٌ هجينة تُعنى بالمظاهر الخارجية للأجساد وتنسى بشكل كلّي الأفلام العالمية المعروضة. فهذه الأقلام غير قادرة على مشاهدة الأفلام وتحليلها وإجراء حوارات عميقة مع مخرجيها، بما يجعل هذا اللون الصحفي يتطوّر ويستعيد صورته التي سرقها المدوّنون منه على وسائل التواصل الاجتماعي. وتحرص هذه « الكتابات » على التلصّص عن المهرجانات أكثر من اهتمامها بسير المخرجين والممثلين وإمكاناتهم في التعبير. بل إنّ سطحية بعض الكتابات وسعيها وراء الحياة الحميمية للفنانين والنجوم، يجعلها تُقدّم مثالاً سيئاً عن المنزع الصحفي الذي يجعل من الفن مختبراً آمناً للتفكير.
وعلى الرغم من استهلاك هذا النوع من الكتابات بقوّة من طرف المتلقّي، فإنّ « الكاتب » يجد نفسه في تعاقد رمزيّ مع القارئ من أجل تكريسها. بل إنّ هذا الأمر يقود الكاتب أو الصحافي يتلصّص على حياة الناس، في وقتٍ لا أحد سيستفيد من أسباب طلاق فنانة أو خيانة فنان أو شيء من هذا القبيل. إنّ مهمّة الكاتب المُهتمّ بالفنّ أنْ يغوص في الأعمال السينمائية المعروضة، يُشاهدها، يتأمّلها ويُفكّر في صُوَرها ومَشاهدها ويسعى جاهداً إلى تحليلها. بهذه الطريقة تُقدّم الكتابة الصحفية أو النقدية درساً معرفياً فيما ينبغي فعله تجاه الأفلام.
أثناء زيارتي لبعض المهرجانات السينمائية، أصاب بخيبة أمل تجاه ما أشاهده هناك، أشخاص لا علاقة لهم بالفن والكتابة ولكنّهم مع ذلك يحملون هواتفهم الذكية ويُنجزون حوارات مع فنانين. وأكثر من مرّة يُطرح عليّ السؤال التالي: لو سمحت.. ما طبيعة عمل ذلك الشخص الذي حاورته؟ مثل هذا النوع يُقزّم عمل الصحفي ويجعل عمله باهتاً وبسيطاً، أمام تجارب أخرى تشتغل بقوّة وذكاء. بل وبسبب الحزن الذي يُخيّم على نفسي في تلك اللحظات أجدني مُضطّراً للإجابة عن السؤال وبشكل مُستفيض حتّى تستطيع الصحافية أو الصحافي معرفة الشخص من أجل تقديم أسئلة في المستوى المطلوب، لكنْ ليس خوفاً عنهم، وإنّما خوفاً من تقزيم صورة الصحافة وما تلعبه من دور كبير في حياة الناس اليوميّة. إنّ الكتابة عن الفنّ هو سيرة يقودها الشغف ويرسم ملامحها العشق، إذْ لا يُمكن لأيّ شخص الكتابة في الفنّ إنْ لم يكُن مُحبّاً وعاشقاً له.