استطاع محمّد المهدي بنسعيد أنْ يُحرّك المياه الجامدة في السينما، وذلك من خلال اصلاحاته الجادّة فيما يتّصل بالشأن السينمائي المغربي. فقد ترك إعلانه الأخير حول إعطاء الانطلاقة الفعلية الرسمية للعمل على 50 خاصّة بالعرض السينمائي، صدى طيباً لدى المبدعين على اختلاف توجهاتهم الفنية ومشاربهم الجمالية. وهي خطوة هامّة بالنّظر إلى التحوّلات العميقة التي بات يعرفها القطاع السينمائي في السنوات الأخيرة الماضية. رغبةٌ كهذه تحتاج إلى عملٍ جماعي من أجل إنجاحها والدفع بها إلى الأمام. إنّ التحوّل الأنطولوجي التي يعرفه الفن السابع بالمغرب، يحتاج دائماً إلى مثل الخطوات الهامّة من أجل ضخ دماءٍ جديدة في شرايينه وكافّة جسده المنخور. خطوةٌ مميّزة تُحسب لوزير الثقافة وقدرته على إيجاد بدائل تُساير هذا التحوّل الذي تعرفه السينما.
الاشتغال على 50 صالة سينما، يعني أساساً الرغبة في جعل الهامش مختبراً للمُشاهدة السينمائية، بحكم الغبن والتهميش الذي يطال بعض المدن من الناحية الثقافية. ذلك إنّ مثل هذه المبادرات تُتيح لساكنة الهامش إمكانية الاستمتاع بالمُشاهدة السينمائية. إذْ على الرغم من تجذّر السينما بالمغرب وما أصبحت تحظى به الأفلام المغربية، ما تزال ثقافتها محدودة وتحتاج إلى مزيدٍ من الجهد لتكريس الثقافة السينمائية. إن السينما ليست فناً للاستهلاك أو ملاذ للترفيه، بقدر ما تدفعنا إلى التفكير في حياتنا اليومي. كما تدفعنا إلى طرح مزيدٍ من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة بالسياسة والمجتمع.
فتح 50 صالة سينمائية، يعني أساساً دمقرطة السينما والدفع بالأجيال الجديدة إلى التفكير بالصورة ومن خلال الصورة عن أحلامهم وهواجسهم. إنّها طريقة فعّالة لبناء مشروع فني مغربي قادرٍ على بلورة الأفكار داخل صناعة سينمائية تواكب التحولات الجمالية في العالم ككلّ. إنّ السينما تلعب دوراً كبيراً في تنمية الفرد وتهذيب ذوقه الجمالي، لكونها بمثابة وسيطٍ بصري قادرٍ على التأثير في الناس. وهذا الأمر، هو ما يجعل السينما بالنسبة للكثير من المفكّرين المدخل الحقيقي للحداثة الاجتماعية. وذلك لكون هذا الفن يُساعد الناس على فهم واقعهم واستيعاب تاريخهم وتأمّل مُستقبلهم.