تبرز قيمة هذا الكتاب في كونه يُقدّم نظرة مغايرة عن واقع الممارسة النقدية للأدب والأدوار التي باتت تضطلع بها في محاولة الكشف عن مقاربات جديد للنص الأدبي. غير أنّ الجديد الذي تأتي به الدراسة أنّها لا تنتقد العمل الأدبي بل النصّ النقد، حيث يغدو النقد هنا عبارة عن عملية فكرية تساهم في بناء صرح معرفي قادر على تأسيس خطاب نقدي حقيقي يُقيّم كل الممارسات النقدية تجاه النص الأدبي. إذْ يتعلق الأمر باقتراح منهجي يسعى إلى أن يجعل دراسةَ النقد العربي الحديث خاضعةً لمبادئ إبستمولوجية ولضوابط ومقاييس منهجية. وقد أشرنا إلى أن هذا الاقتراح جاء في سياق المجهودات الرامية إلى تطوير نقد النقد العربي وشحذ أدواته وتفعيل دوره الفكري والثقافي ».
وحسب تقديم الكتاب نجد أنّه بالرغم من « التصور المنهجي الذي يجسد هذا الاقتراح ذو طابع شامل، إلا أننا وَجَّهْناه تدريجيا نحو رصد الأبعاد العِلْمِيَّة في الأعمال النقدية، وذلك في ضوء ما نهدف إليه من فحصٍ للقيمة العلمية في النقد العربي الحديث، انطلاقا من بعض نماذجه. وهكذا، فقد أطرنا عملنا بإطار نقد النقد في منحاه الإبستمولوجي، وهو المنحى الذي يقوم على فحص العلاقة بين النقد والعلم؛ ولذلك درسنا الجوانب العلمية في عَمَلَيْن نقديين عربيين مهمين: الأول للناقد السـعودي عبد الله محمد الغذامي: « الخطيئة والتكفير؛ من البنيوية إلى التشريحية؛ قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر »، والثاني للناقد السوري كمال أبو ديب: « الرؤى المُقَنَّعَة؛ نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي ».
ويضيف الباحث ثوقد اخترنا هذين العملين من بين الأعمال النقدية العربية الحديثة التي تجسد اجتهادا منهجيا ملحوظا، فدرسناهما على التوالي في الفصلين الثاني والثالث، وحاولنا في كل منهما تحيين ما رسمناه في الفصل الأول من مبادئ منهجية ميتانقدية. ولذلك حاولنا أن نخطو خطوات مضبوطة وفق التدرج المرسوم، معتمدين المقاييس الإبستمولوجية والمستويات التحليلية ذات الصلة ».
