حين نتأمّل اليوم تاريخ الفكر المغربي نجده مُتقوقعاً بين ثنائية « المركز » و« الهامش » على أساس أنّ هذه الثنائية تشتغل بشكل ضمني في تحديد هوية رمزية لهذا الفكر الذي سعى منذ نهاية الستينيات كلّ من عبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي في جعل ثنائية « مركز ـ هامش » تنبثق منها كلّ الأفكار والمفاهيم والنظريات التي تقارب الواقع وتستشكل ميكانيزمات التاريخ. وإذا كان مفهوم المرجعية الفكرية، قد خلق بين المفكّرين نوعاً من التضارب والجدل حول مفهوم الشرعية الفكريّة تجاه الواقع، فذلك يعود بشكل أساس إلى طبيعة هذه الثنائية المُتشظّية ورغبة كلّ واحدٍ منهما في فرض مفهومه الخاصّ للكتابة الفكريّة. وقد خلقت هذه الثنائية جدلاً كبيراً لم يبق حبيس مشاريعهما الفكرية، بقدر ما امتدّ بقوّة إلى كافة الأعمال الأدبيّة والفنّية التي حرص بعضها على تملّك مفهوم المركز وجعله مُنطلقاً للتفكير والتأمّل. وفي هذا الإطار نعثر على العديد من الخطابات الفكرية التي بنت شرعيتها من خلال مفهوم المركز وحاولت إنتاج سرديتها بالتعامل مع التاريخ بشكل انتقائي.
يعد صاحب « ثقافتنا في ضوء التاريخ » رائداً لهذا الاتجاه الفكري الذي يتأسّس على مفهوم المركز. فقد عمل العروي في كتابه « الإيديولوجيا العربية المعاصرة » على نقد الفولكلور واعتبار أنّ من يكتب في الأنثروبولوجيا يكتب خارج التاريخ. أيْ أنّ التاريخ لا يمكن أن تكتبه إلاّ النخبة وأنّ أيّ كتابة تاريخية خارجة عن مفهوم المركز(السلطة) لا يُعوّل عليها. وهذا الأمر، بقدر ما يمثل موقفاً خاصاً بعبد الله العروي، فإنّه لعب دوراً سلبياً بالنسبة لمفهوم الكتابة التاريخيّة وجعلها كتابة تعمل على كتابة المركز لكنْ بالاعتماد على نفس الوثائق.
لكنْ في مقابل ذلك، راهن عبد الكبير الخطيبي على مفهوم الهامش وجعل منه مفهوماً مركزياً في عددٍ من مؤلفاته الفكرية، سيما كتابه الهام « الاسم العربي الجريح » الذي قدّم فيه رؤية فكرية تنطلق من قاع المجتمع وتحاول عبر مجموعة من العلامات والرموز أنْ تؤسس لها فكراً مغايراً ينطلق من التربة المغربية. وقد اعترف المفكّر الفرنسي رولان بارت بقيمة هذا الكتاب في المقدّمة التي وضعها للكتاب والتي يعترف فيها بشكل مباشر مما يتعلّمه من الخطيبي ويُحنّ إلى ثقافة ما يزال تحتفظ ببعضٍ من وهجها الأصلي، بعيداً التنميط الذي أصاب الثقافة الفرنسيّة.




