ويأتي الكتاب على خلفية المكانة التي طالما تنزلتها كتابات العروي داخل الفكر العربي، بحيث راكم من الأعمال التنظيرية ما يجعله في طليعة المفكرين العرب الأكثر دفاعاً عن الحداثة وتشريحاً لمفهوم التأخّر التاريخي الذي طالما فكّكه العروي منذ كتابه «الإيديولوجيا العربية المعاصرة». ورغم اختفاء العروي من الساحة الثقافة في السنوات الأخيرة، فإنّ يظهر بينة فينة وأخرى ليُصحّح أفكارنا ويعمل على تأصيل مفاهيمنا داخل المسار التحديثي الذي تمر منه شعوب العالم العربي.
لهذا يرى كمال عبد اللطيف، بأنّ العروي «لا يتوقف عن مواجهة سؤال العناد التاريخي، سؤال استمرار الإخفاق السياسي وسؤال عودة النزعات السلفية إلى فضاء الفكر العربي المعاصر، وفي مؤلّفاته وترجماته الأخيرة يُعاين المهتم بمشروعه في الدفاع عن الحداثة والتاريخ أن المفكر يواصل دفاعه عن خياراته السياسية، باعتبارها أنها الخيارات الأكثر تاريخية والأكثر نجاعة في زماننا. نتبيّن ملامح إصراره في مواصلة دفاعه عن مواقفه، سواء بمزيد من توضيحها أو بالبحث لها عن عناصر إسناد جديدة، تُعزّز قوتها ورجحانها التاريخي والسياسي».
من ثم حاول في الكتاب إعادة تنظيم محتوى النصِّ بصورة مختزلة، متوخِّين إبراز أطروحته الكبرى، ومسار استدلاله البرهاني، في نقد النزعات التراثية، والدفاع عن العقلانية. وإذا كان نصُّ «مفهوم العقل»، في نظره «يعبِّر بصورة جلية عن القيمة الفكرية العالية لجهود العروي، في دائرة الفكر العربي المعاصر، فإنه يطرح أسئلة متعدِّدة، تتجاوز دائرة تماسُكه النظري وغِنَى معطياته التاريخية، كما تتجاوز دوره البرهاني في إسناد المشروع التاريخاني. وترتبط بمسائل أخرى خارجية، ولا يتوقَّف عندها الباحث، وربَّما اعتقد المؤلِّف في إطار النموِّ الداخلي الخاصِّ لمشروعه، أنها خارج إطار السجال المفيد في نظره».
يُضيف: «ومع ذلك، فإننا سنحاول صياغة بعض هذه الأسئلة، من أجل مقاربة إشكالية المؤلِّف من زوايا أخرى، ومن أجل مزيد من التفكير في كلِّ ما يدعم هذا المشروع، ويجعله منفتحاً على فضاءات نقدية تمنحه المزيد من الكفاءة الإقناعية».
