يغلب على الأغنية المغربية طابع الترفيه والاستهلاك الذي يحوّل العديد من التجارب الغنائية الشابة إلى تجارب تسعى إلى الربح أكثر من كونها تحرص على تقديم جديد فني يُعوّل عليه موسيقياً. ورغم النجاح الجماهيري الواسع الذي تحظى به هذه الأغاني، فإنّها سرعان ما تُنسى كأنّها لم تكُن يوماً. وذلك لأنّها أغاني هشّة ومرتبكة وتفتقر إلى أفق فني يجعلها تحظى بديمومتها في المستقبل القريب. لكنْ في مقابل الأغنية الترفيهية التي تسعى مؤسسات الإنتاج على تأجيج ليبها والدفع بها على سطح المشهد الغنائي نعثر على العديد من التجارب الغنائية التي جعلت من النصّ التراثي وسية لها للتفكير والكتابة والاشتغال. نصوصٌ شعرية مذهلة تحوّلت إلى أغاني تظلّ إلى حدود اليوم تحتفظ ببريقها الفني وهي تعتلي عرش الموسيقى الغربية وآلاتها. إنّها طفرة حقّقت الشيء الكثير لأغاني العيطة وفنّ الملحون، بعدما نقلت بعض التجارب الغنائية إلى مصاف العالمية وجعلتها تخترق حدود وسياجات الأغنية المغربية التقليدية.
أصواتٌ شبابية حقّقت نجاحاً كبيراً وقدّمت الشيء الكثير للأغنية التراثية ونقلتها من طورها التقليدي إلى بعدٍ معاصر أضحت فيه الأغنية تحتل مكانة رفيعة من الناحية العالمية. إنّ الوعي بقيمة الآلات الموسيقية المعاصرة يبدو قوياً في التجارب الجديدة، لأتّها تجارب حرصت على وضع النص التراثي في مختبر حداثة موسيقية تحبل بالتجريب، وعياً منها بقيمة الآلة المعاصرة في تحريرنا ن الماضي الذي لا يكون دائماً مؤثّراً في بنية الحاضر. إنّ الماضي حين يُكتب ويُعزف ويُغنّى بنفس الطريقة، فهو سيؤدي حتماً إلى أفول هذا اللون الغنائي وبالتالي سيحكم عليه بنوع من الغربة داخل محيطه.
إنّ الأغنية المغربية حين نضعها في قالب موسيقي معاصر، فإنّ ذلك يمنحها تلقياً مغايراً ويجعل الناس تُقبل عليها بقوّة. فالتجارب التي أعادت غناء العيطة وفق قالب موسيقي معاصر، فقد جعلتها إلى جانب كونها عبارة عن أغاني أصيلة من حيث الكتابة تتميّز بتوزيع موسيقي مميّز وأداء موسيقي يُقحم أدوات موسيقية مغايرة ويعمل على توليفها مع آلات تقليدية. فيجد المستمع نفسه أمام خليط موسيقي هجين ومُبهر، بقدر ما يظلّ من جانب هويته الغنائية مُقيماً في الماضي، فهو يتطلّع من الناحية الموسيقية بعنفوان صوب المستقبل. إنّ الأغنية ليس مجرّد تعبير صوتي ترفيهي، ولكنّها قادرة أنْ تعطينا الطريقة التي بها تتحرّر الشعوب والمجتمعات والطريقة التي تُفكّر وتتأمّل بها الماضي وتتمثّله في الحاضر وبها تُعيد بناء عالم رمزي مع المجتمع وقدامته.