ومما جاء في الكتاب « لم يكن الدنو من شخصية أبي يعزى من أجل رسم صورته وتفاعلاتها فقط، وإنما للاقتراب من صورة وملامح وذهنية نموذج منسي من الشخصية المغربية في مرحلة تحوّل كبير وتنوّعها الذي كان نبعا تفرعت عنه آفاق كثيرة غذّت الفكر والثقافة والحياة. ومثل أبي يعزى الذي لم يكن عالما أو مفكرا، وإنما هو من عامة المجتمع السفلي، سيفتح آفاقا من ثراء المتخيل الاجتماعي، ومنسوب المعرفة الشعبية التي تثوي المادي والروحي، المألوف واللامألوف، الحقيقي والوهمي، الطبيعي وفوق الطبيعي، اللعب والخداع، الصدق والكذب ».
إن فرادة شخصية أبي يعزى في نظر الباحث « ذات مداخل كثيرة، أجلاها قدرته على المبادرة والإصرار على تمثيل قيم مرتبطة بالمعيش الإنساني وبالبيئة والكائنات والثقافة. فمن راعٍ للأغنام إلى تابع يخدم من رأى فيهم قيما إضافية تتعلق بالصلاح، ثم يقرر اختيار الاستقلال بفعل وفي منطقة جبلية معزولة، ليس رغبة في الشهرة وإثبات الذات أو الانعزال والزهد، وإنما لإيمانه بأنه يمكن تقديم مبادرة « ثورية » في عمقها، ترتبط بالمجتمع وأصواته التي كان أنينها عاليا وجريحا ».
لم يتعلم أبو يعزى « من الكتب أو في القرويين وسبتة والأندلس أو المشرق، وإنما من الطبيعة والحيوان والإنسان، وبات عالما بالنفوس التواقة على الطمأنينة فمنحها الاحترام والشعور بالكرامة بلا خوف أو عطش. نحن أمام شخصية مغربية نادرة أسست لثقافة ومتخيل اجتماعي، وأسهمت في ترسيخ بعض القيم الاجتماعية سواء وهو يضع رجليه على أرض الظنون والخطيئة، أو وهو يرمي برجليه إلى أرض الغيوب والاستيهام، بِحيل وتقنيات ترسم العجيب طريقا في مجتمع كان في حاجة إلى شخصيات من نفس مقاسه ».