تتميز كتابات أنيس الرافعي بقُدرة مُذهلة على التجريب تجعلها دائماً يُجدّد صنعته ويحفر مجراها عميقاً على مستوى الكتابة. فهو لا يكتفي ببناء الشخصيات واللعب على مجريات الحكاية وأنساقها التخييلية، بقدر ما يقتحم وسائط بصريّة جديدة تجعله يُساهم في تحديث العمل القصصي من الداخل. وهذا الأمر، جعل الرافعي أشهر كُتّاب القصّة في الجيل الجديد ممّن تميّزت تجاربهم بإبدالات هامّة على مستوى الشكل والمضمون. ومن أتيحت له فرصة الاطلاع على منجزه القصصي، سيجد نفسه أمام كتابة لا تهتم بالمحتوى فقط، بقدر ما تُعنى بالثورة على مستوى الشكل وترصد بشكل كبير مجمل التحولات الجمالية التي باتت تعرفها القصّة. وفي الوقت الذي غيّر فيه العديد من الأدباء أقنعتهم على مستوى الجنس الأدبي بتركهم للشعر والقصّة واتجاههم صوب الرواية، يظلّ أنيس الرافعي يقف سامقاً ومُفكّراً في أحوال هذا الجنس الصعب والمُركّب داخل بنية ثقافية هشّة تحنّ إلى التقليد.
يقول أنيس الرافعي عن كتابه الجديد « انتبه السواد الأكبر من القصاصين إلى كون منجزهم هو عبارة عن أعمال أدبية ذات أبعاد حرفية أو تقنوية خالصة. أعمال غير ناجزة على نحو وثوقي في طور الانعتاق من رواسب المعيار والفطرة ومن مختبر التصوّرات المسبقة الشبيهة بتقليم وتحذية حوافر الكتابة القصصية. إذْ أنّ أي تبعيد أو نفي للصنعة، يفضي بالضرورة إلى افتقار وإجداب أسلوبية الجنس القصصي. وبموجب هذا الطرح العالم صارت القصة القصيرة صناعة تقليدية داخل المجمع التجاري العملاق للأدب. حرفة ذات أسرار ونواميس طقوسها نبراس في السرائر لا قوانين معلنة على الملإ. فقد خيالي ينضبط لأحكام شبه دقيقة ولمسائل شديدة الغموض. شرعة جوانية قبل أن تكون مظهراً، ومنظومة إشراقية قبل أن تكون حادثة أدبية. ومتى ترسخت هذي الصنعة وتأصلت انتقلت إقامتها من المجمع التجاري إلى حجرة التفكيك الخاصة بالمؤلّف ».