أشرف الحساني يكتب: سينما في مواجهة الواقع

أشرف الحساني

في 05/06/2025 على الساعة 13:30

مقال رأييعتبر المخرج السينمائي محمد عبد الرحمان التازي، واحداً من المخرجين القلائل الذيم قدّموا متناً سينائياً مغايراً، لا يلهث وراء التجربة الغربية وجمالياتها، بقدر ما يريد أنْ يجترح لتجربته أفقاً سينمائياً مغايراً.

تطرح أفلام من قبيل: «باديس» و«البحث عن زوج امرأتي» أسئلة قويّة تربط السينما بالمجتمع، إذْ تحاول عبر المجتمع أنْ تجد لها مشروعاً سينمائياً مختلفاً عن باقي التجارب السينمائية الأخرى التي راهنت على الذات كمنطلق للتخييل السينمائي. إنّ المجتمع في تجربة صاحب «ابن السبيل» ليس فضاءً تدور فيه الأحداث الدرامية، بقدر ما يُمثّل مختبراً كبيراً تنبثق منه الصور والرؤى والمشاهد، إنّه بطريقةٍ ما يُولّد المَشاهد ويسعى جاهداً إلى محاولة القبض عليها وتحويلها إلى صُوَرٍ سينمائية باقية في الذاكرة والوجدان.

تُقدّم سينما محمد التازي متناً سينمائياً مغربياً خالصاً، فهي لا تسعى أنْ تُحاكي أحد، بل تُريد بشدّة أنْ تروي سيرتها وتحكي قصصها وتعالج قضاياها وتطرح إشكالاتها. فإذا كانت سينما الجيل الجديد عبارة عن سينما فردية تهجس برغبات الفرد في التجريب، محاولة التفكير انطلاقاً من أحراش الجسد، فإنّها تصبح عند التازي عبارة عن مشروعٍ سينمائي يُفكّر في المجتمع ويعمل وفق قصص الآخر وحكاياته على بناء سرديّة سينمائية أصيلة ترتبط بالمُتخيّل الجمعي ككلّ.

بيد أنّ السينما هنا حين تعمل على توثيق المخيال الجمعي والواقع اليومي ومرجعياته التاريخية، توثقه انطلاقاً من عنصر التخييل وليس من باب التأريخ الواقعي وذلك لأنّ المقاربة السينمائية، لا تهتم بإعادة البناء المعرفي لنتوءات الواقع الجمعي، بقدر ما يعنيها تخييل القصص والحكايات والتفكير في الواقع من زاوية كونه فضاءً بصرياً للتفكير. لذلك يحتل المجتمع في سينما التازي مكانة كبيرة، فهو ليس عبارة عن فضاء سينمائي تتلاحم فيه الشخصيات والفضاءات والزمن فقط، وإنّما أيضاً يمثل مختبراً للتفكير في الكثير من القضايا ذات الصلة بالمجتمع المغربي.

إنّ هذه العلاقة المتواشجة بين الفرد والمجتمع تمثل لبنة أساسية في سينما عبد الرحمان التازي، إذْ من خلال المجتمع ينظر التازي إلى شخصياته ويحاول أنْ يفهمها انطلاقاً من مدى تجذّرها في محيطها السوسيو ثقافي. إذْ من خلال الطريق في فيلم « ابن السبيل » يتعرّف المُشاهد على نمطٍ من التفكير الذي يجعل البطل يجد نفسه أمام سلسلة من الأحداث المتعاقبة التي لا معنى لها، لكنّها تُقدّم عبر مفهوم السفر بنية متخيّلة للفيلم، تجعل المُشاهد يسافر في طوبوغرافية الذهنيات أكثر من الفضاء. إنّ الصورة السينمائية هنا تتعامل مع الواقع لا بطريقة ميكانيكية، بقدر ما تروم إلى محاولة فهم هذا الواقع قبل الدخول في عملية التخييل، حتّى لا يسقط الفيلم في الطابع الروبورتاجي.

وعلى الرغم من اعتبار العديد من النقاد بأنّ الواقع والسينما يدخلان ضمن الثنائيات الكلاسيكية التي دأب الباحثون على الكتابة فيها، فإنّ الأفلام الجديدة تقدم مفهوماً آخر لهذه العلاقة. وذلك لأنّ كلّ مخرج يسعى من جهته إلى تصوير الواقع بطريقته الخاصّة ويعمل جاهداً على تفسير الواقع لا من خلال السيناريو بل انطلاقاً من حياته وتنشئته ومدى علاقته بهذا الواقع. لذلك تطالعنا أفلام التازي، باعتبارها من التجارب المغربية التي راهنت على مفهوم الواقع وجعلته أفقاً تخييلياً يقدّم للمخرج إمكانات لا متناهية على مستوى الكتابة والتخييل.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 05/06/2025 على الساعة 13:30