والحقّ أنّه أمام التحوّلات التي يعرفها القطاع السينمائي، تفرض على كلّ الجهات والفاعلين والداعمين تغيير نظرتهم للسينما، فهي ليست وسيلة للتسلية والترفيه، ولكنّها عبارة عن مشروع فكري مؤثّر في وجدان المتلقي. مشروعٌ يدفعه دائماً إلى فهم ذاته من خلال الصورة السينمائية، بوصفها مختبراً نفسياً لتحقيق تواصل خلاّق مع الذات قبل العالم. لكنْ أمام هذه المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الجهات الوصية على الشأن السينمائي، لا ينبغي إدخال السينما في كونها وسيلة تعبيرية تُقدّم خدمات للناس قُبيل النوم، لكونها معطى واقعي يعرض مشاكل الناس ومآزق المجتمع وتناقضاته لتُصبح شكلاً من أشكال الفكر. الأكثر من هذا، تُعتبر السينما وسيلة من وسائل الربح، إذْ رغم تشجيع الوزارة وعملها الدائم على إعادة فتح قاعات سينمائية جديدة، بحكم ما تُحقّقه من رواج اقتصادي للقاعة ومُحيطها الاجتماعي. فالسينما أضحت اليوم تدخل ضمن الرأسمال الاقتصادي المُحرّك للكثير من اقتصاد البلدان.
إنّ السينما في المغرب، رغم مكانتها داخل المؤسسات من حيث التظاهرات الفنية، إلاّ أنّها لم يُنظر إليها اليوم على أساس أنّها قادرة على تحقيق رفاهٍ اقتصادي، خاصّة في بعض المناطق السياحية بجنوب وشمال المغرب، بحكم ما تتوفّر عليه بعض المناطق من مؤهّلات طبيعية قادرة على التأثير في الصورة السينمائية وجعل أنماطها مختلفة من حيث جماليّات التأطير. كما تتوفّر هذه المناطق على إمكاناتٍ كبيرة لإنجاز استوديوهات خاصّة لتصوير أفلام سينمائية وأشرطة تلفزية، وطنية ودولية، كما هو الحال لمدينة ورزازات التي غدت اليوم قبلة للعديد من صناع السينما في العالم.
والحقيقة أن القاعات السينمائية هي التي تعمل على تكريس مفهوم الفرجة السينمائية المُغيّبة من المشروع الثقافي للجهات والمؤسسات. سيما وأنّ مفهوم « الفرجة » يُعتبر أوّل مدخلٍ حقيقي لتحقيق نهضةٍ سينمائية، بما أنّ هذا الوسيط التعبيري موجّهاً للجمهور. حين كانت الصالات السينمائية أكثر حضوراً في المجتمع المغربي، كان المغاربة يحضرون لمشاهدة الأفلام، رغم قلّة الإمكانات المادية، لكنْ مع ذلك كان الجمهور متعطّشاً ويرتاد السينما بقوّة. لهذا أعتقد أنّ سؤال ماذا تعني السينما للمغاربة رهين بمعرفة الوسائل والآليات التي تعتمدها المؤسسات لتكريس مفهوم المتعة السينيفيلية. إنّ السينما بالنسبة للمغاربة مجرّد ملاذ يرنون إليه قبل النوم لخلق نوعٍ من المتعة الذاتية بعد يوم طويل في العمل. في حين أنّ السينما في دول أخرى له أبعاد اقتصادية وفكرية، فمن خلال صُوَرها تلعب دوراً كبيراً في تهذيب الذوق العام وتشجيع المُتفرّج على ارتياد الصالات.