لم يبقَ لفرنسا ما تُقدّمه للشعوب التي استعمرتها، فقد تبدّى للعالم كيف أنّ هذا البلد انهار بشكلٍ كامل وخسر جميع علاقاته الاقتصادية، سيما داخل إفريقيا، في وقتٍ يتقوّى فيه المَشهد السياسيّ الإفريقي من خلال علاقات اقتصادية وسفارات دبلوماسية متبادلة بين البلدان. أصبح المغرب داخلها يحتلّ مكانة كبيرة ومركزية في نسيجها الدبلوماسي، في وقتٍ يتراجع فيه النفوذين الاقتصادي والدبلوماسي لفرنسا داخل مستعمراتها السابقة. ومع ذلك فالإعلام الفرنسيّ، لم يتوقّف منذ بداية الزلزال على تأكيد تضامنه مع المغرب، مُستغرباً من عدم تفاعل المغرب مع دعوته لتقديم مساعدات للمتضررين من جرّاء ذلك.
والحال أنّ المغرب ليس في حاجةٍ إلى مساعدة أحد، فحجم التضامن والتآزر بين المغاربة يغني البلد عن أيّ مساعدة مُوجّهة له. سيما وأنّ إيمانويل ماكرون، يُحاول استغلال حدث الكارثة لتلميع صورته أمام العالم، رغم أنّه بدا بالنسبة للمغاربة بمثابة بهلوانٍ يُحاول أنْ يقنع الناس بحسن نيّته، إلاّ أنّ لا أحد أصبح يثق به.
ثار المغاربة في وجه الكلمة المباشرة التي ألقاها إيمانويل ماكرون عبر فيديو صغير حول ضحايا الزلزال وعن رغبته «الكبيرة» في التعاون والتضامن مع ضحايا الزلزال، إذْ لم يستسيغوا النبرة التي تحدّث بها ماكرون. فالمغرب ليس ضيعة تابعة له ولا هو مُستعمرة فرنسية، بقدر ما يُمثّل اليوم قوّة دبلوماسية وبلد له سيادته السياسية والاقتصادية على أرض وناسه. وبالتالي، فهو ليس في حاجةٍ إلى تدخّل فرنسيّ أو أيّ دولة أخرى. يكفي حجم التضامن الذي لقيه ضحايا الزلزال من طرف المغاربة أنفسهم وملايين المُساعدات التي تحفر مجراها عميقاً في الطرق الرابطة بين أقاليم المملكة المغربية.
على مدار السنوات الأخيرة، وبالضبط منذ تشنّج العلاقات المغربية الفرنسية، وبروز المغرب كقوّة دبلوماسية قويّة ومُؤثّرة في النسيج السياسي الإفريقي، يُحاول ماكرون بأقصى طاقته استغلال الأحداث التي تطال المغرب من أجل فرض صورته مُجدّداً، غير مُنتبهٍ للمكانة التي غدا يحتلّها المغرب في صفوف باقي الدول الكبرى. فقد استغرب العالم كيف يُمكن لرئيس دولة أنْ يُوجّه خطاباً رسمياً إلى مجتمع آخر، دون أنْ يمُر عبر هياكله الرسمية. فالمغرب له سيادته التي ينبغي الخضوع لها والاقتداء بقوانينها وتمثيلاتها، بدل التوجّه مباشرة لمخاطبة الشعب المغربي.
لم تنجح فرنسا في أنْ تظهر بمظر البلد الحداثي المُتشبّع بقيم التعاون والتضامن والتآزر تجاه الآخر. رغم أنّ المغرب لم يعُد في حاجةٍ ماسّة إلى مختلف أشكال التعاون معها. فإذا كانت هذه المظاهر المُتّصلة بالتعاون والتضامن قد اكتسبتها فرنسا من خلال الثورة الفرنسية وفكر الأنوار، فما ينبغي معرفته أنّ هذه القيم مُترسّبة في وجدان المغاربة وتُعتبر من المظاهر التي يكتسبها المجتمع بالفطرة. فالمغرب بلدٌ عريقٌ بتاريخه وحضارته وليس في حاجةٍ إلى من يُقدّم له درساً في الأخلاق تجاه الآخر.
يوماً بعد يوم، يُقدّم المغرب دروساً حقيقياً في معنى الوطن انطلاقاً من ملايين الناس الذين تركوا بيوتهم وعائلاتهم واتجهوا صوب منطقة الحوز بؤرة الزلزال لتقديم المُساعدة للعائلات ضحايا الزلزال المُدمّر والعيش معهم. بل إنّ الصُوَر المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والقادمة من الحوز تترك انطباعاً عن المكانة الاجتماعية التي حقّقها المغاربة فيما بينهم.
باختصار: لسنا في حاجةٍ إليك فرنسا.