حسب أرضية المؤتمر، عرف التخييل في المشهد الأدبي والثقافي من حيث التوظيف الإبداعي والتلقي النقدي عدة إبدالات، حيث نظر إليه إبان هيمنة النزعة الواقعية في الأدب والفن باعتباره استنساخاً ومحاكاة للواقع الخارجي، ومن تم كان الاحتفاء ينصب على وظيفته الانعكاسية التمثيلية أكثر مما ينصب على اشتغالاته الفنية ورهاناته الجمالية. لكن ومع انحسار النزعة الواقعية بمختلف اتجاهاتها عن المشهد الأدبي وصعود تيارات طلائعية ومجددة منذ المنتصف الثاني من القرن العشرين منزاحة عن التقاليد الكلاسيكية في الأدب والفن امتدّت من منعطف الحداثة والتجريب إلى إبدال ما بعد الحداثة».
يُضيف المصدر: «فقد أعيد الاعتبار لدور التخييل في تخصيص وتنسيب الشكل الأدبي ورفد وتعضيد ديناميته في تشبيك أسئلة الفن والإبداع مع الماضي والتاريخ والسلطة والهوية والذاكرة، خاصّة وأنّ السياق النقدي والثقافي الذي امتدّت في إطاره هذه النزعات الطلائعية المحتفية بدينامية التخييل وكثافة وإنتاجية وظائفه كان يكتنز بدوره اتجاهات نقدية مثل التلقي والتفكيك والسيميائيات والسرديات الثقافية والدراسات المابينية. ثمّنت واحتفت بفاعلية التخييل في تحرير الإبداع من جهوزية ما هو منوالي ومكرّس وترهين إنتاجيته بما يختطه من ساحات ومسارب للتأويل وما ينتجه من مرجعيات منشبكة ومجهولة بسؤال الهوية وبالنزوع الإنساني لارتياد عالم جديد متحرّر من سعير الهويات الجامدة والضيقة ومترع بقيم التنوع والتناسج البشري الخلاق».
على هذا الأساس، «يحظى التخييل بفاعلية قصوى داخل الفنون لما يظطلع به من دور خلاق ومنتج في صهر وإّعادة استدماج وتضفير عناصر وأنساق الواقع الخارجي داخل بناها الفنية والتعبيرية والأسلوبية من أجل صياغة تجارب إبداعية منزاحة عن محاكاة الواقع الخارجي وجهوزية معطياته ولها كينونتها الاستيتيقية المستقلة والمتفردة بأبعادها الفكرية والإنسانية المستفردة دوماً لمخاضات واقعها المجتمعي واشتراطاته التاريخية والدنيوية والمشرعة دوماً على المستقبل برهاناته وأسئلته».