تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يُعيد طه عبد الرحمان إلى واجهة المشهد الفكري المغربي، بحكم ما أصبح يطبعه من تراجع فكري. إذْ لم تعد المؤلفات الصادرة هنا وهناك تثير النقاش وتخلق الجدل بموضوعاتها وبقيما يمكن أن تقدمه من جديد في المجال الفكري. بحيث تبدو هذه الكتب وكأنها حديثُ كتبٍ عن كتب. خاصة وأن التراجع العلمي الذي أصبحت تعيشه الجامعة، ساهم إلى حد كبير في تراجع الأعمال الفكرية وأصبحت المؤلفات التي تصدر في هذا الشأن ذات نفس خفيف وغير قادرة على طرح الأسئلة الحارقة والموضوعات الجديدة التي تدفع بالفكر إلى الأمام وتجعله يخترق غلالة الواقع ويحفر فيها ما يعيشه الناس من مآزق وتصدّعات.
على هذا الأساس، فإنّ اصدار هذا الكتاب يعيدنا سؤال الفلسفة وقيمتها كما تبناها طه عبد الرحمان في مساره الفكري وجعل منها أفقاً مغايراً من خلال جعلها تخرج من الكتب والمدرجات صوب البحث لها عن هوية داخل الواقع الذي ننتمي إليه.
يقول طه عبد الرحمان «إذا كنت ولا أزال، أتخرّج من التحدث عن سيرة حياتي خشية الوقوع في تزكية النفس، فلعلي لا أجد نفس الحرج إن تحدثت عن مسيرتي الفلسفية بغرض التعريف بمسؤوليات الفيلسوف فأقول بمعونة الله، كان حالي ولا يزال، في كل طور من أطوار هذه المسيرة، أن تملك عليّ أحداث الساعة الفاصلة في حياة الأمة مداركي ومشاعري فأبادر إلى البحث عن الجواب عن الأسئلة الكيانية والمصيرية التي تطرحها، وأجتهد ما وسعني ذلك، في أن أستخرج، من جزئيات الحدث الطارئ، جملة من المعاني الكلية، فأنشئ منها قضايا وأدلة وأحيانا معالم نظريات من شأنها أن تنتج إمكانات فكرية تفيد في حل الإشكالات التي يثيرها هذا الحدث«.




