استهل الدكتور عبد العزيز الطاهري تقديمه بكلمة شكر للعميدة الجديدة التي أبدت رغبتها في دعم شعبة التاريخ والحضارة، بحكم المكانة المعرفية التي تتنزّلها في وجدان الطلبة والأساتذة والباحثين. وأعرب الطاهري عن سعادة الشعبة في إنجاز قراء في كتاب من هذا الحجم المعرفي. وفي كلمتها ترى بأنّ كتاب «الصحراء في محكّ الاستعمار» تأتي أهميته ليس في بـ«النظر إلى مضمونه وتناوله في موضوع في غاية الأهمية بالنسبة لعموم المغاربة، ولكنْ أيضاً بالسياق الذي تُنظّم من خلاله هذه الندوة، لأننا نعيش هذه الأيام على وقع احتفالات الشعب المغربي بمناسبتين تاريخيتين عزيزتين على قلوب أبنائه، هما ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال».
هذا إضافة إلى أنّ اليوم الذي تُنظّم فيه هذه الندوة يتزامن مع ذكرى عودة السلطان سيدي محمد يوسف من منفاه السحيق في مدغشقر بعد فترة قصيرة فرنسا». وترى العميدة بأنّ لـ«التاريخ دور في فهم قضية الصحراء المغربية وتقصّي أبعادها الدولية ودحض الأطروحات المعادية لمغربيتها. وهي القضية التي على عموم الشعب المغربي وخاصة النخب الثقافية والسياسية والدبلوماسية أنْ تكون مُلمّة بمُختلف جوانبها وأبعادها التاريخية حتى نُحسن الدفاع عنها ». لذلك فإنّ « ما قام به الجيلالي العدناني كتابه الذي هو موضوع في هذه الجلسة العلمية المباركة يندرج في هذا الإطار، وذلك بمقاربة مبنية على منهج علمي أكاديمي رصين وعلى الحجج القاطعة والأدلة الدامغة والمثبتة بالوثائق التاريخية ذات المصداقية الكاملة ».
أما الدكتور محمد أبيهي، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، فقد أشار بأنّ اللقاء يُنظّم ضمن سلسلة محاضرات وندوات رقم 3، مُستطرداً في إبراز الإمكانات المعرفية التي بها الجيلالي العدناني، والتركيز على مجمل إصداراته الأكاديمية في موضوعات تتعلقّ في عمومها بالتاريخ.
أما الدكتور محمّد بوكبوط، أستاذ التاريخ بجامعة سيدي محمّد بن عبد الله بفاس، ذهب في مداخلته التي حملت عنوان « وقفات على هامش كتاب الصحراء على محك الاستعمار » إذْ يرى بأنّ « من الأكيد أنه لكل عمل تاريخي مرجعياته الفكرية وأطروحاته النظرية وأدواته المنهجية تُسعف مؤلّفه بتناول الأحداث والوقائع التي بصددها وفق خيط ناظم وتصوّر واضح يسمحان له بالإلمام الدقيق بخلفيات ومآلات السيرورة التاريخية التي يتناولها. ولعمري فإنّ الجيلالي العدناني قد تفوّق إلى حد كبير في شحذ أدواته المنهجية والمعرفية بدربة وإتقان جعلا مؤلفه عملاً موثقاً ورصيناً وممتعاً ومُفحماً بحججه العلمية ». ويرى بوكبوط الذي ينكبّ حالياً على نقل الكتاب إلى اللغة العربية بطلب من الأكاديمية المغربية، بأنّ العمل « زاخر بمعطيات وتحليلات هامة تُسلّك أضواء كاشفة على السيرورة التاريخية للصحراء المغربية برمّتها وهي في لجّة التكالب الاستعماري الأوروبي مما يُغري باستعراض مجمل تفاصيله لفهم النزاع الدائر حول الصحراء، إذْ يستحقّ كلّ فصل من فصول الكتاب عرضاً مسهباً للإحاطة بالعُدّة التوثيقية والمنهجية العلمية التي عوّل عليها الأستاذ العدناني ».
ويعتبر بوكبوط بأنّ العمل « ثمرة مجهود علمي هائل تجلّى في المدة الزمنية التي قضاها الباحث في ارتياد دور الأرشيف المختلفة في كل من داكار وباماكو ونونت وباريس وما تطلبه ذلك من وقت وجهد وتضحيات، فجاء عمله موثقا توثيقا مكثفا بمادة تاريخية أصيلة سمحت له بكشف خلفيات السياسات الاستعمارية ومناوراتها لاغتصاب الصحاري المغربية وامتداداتها في شنقيط والسودان الغربي أو مالي الحالية ».
أما محمد معروف الدفالي فقد تطرق في مداخلته التي حملت عنوان « المؤرّخ وموضوع استكمال الوحدة الترابية: قراءة في كتاب الأستاذ الجيلالي العدناني الصحراء في محك الاستعمار » بقوله: « منذ سنوات أهداني الأستاذ العدناني نسخة من كتابه حول الصحراء، وفي نفس اليوم الذي تسلمت فيه النسخة وأنا في البيت تصفحت الكتاب من خلال مصادر المُعتمدة ومن خلال فهرسه وكذا بعض الخلاصات التي خرج بها المؤلّف، واستناداً إلى المادة المعرفية الجديدة التي حملتها صفحات الكتاب وإلى طريقة المعالجة المعتمدة من قبل المؤلف اخترت للكتاب في مكتبتي الرفوف التي أعود إليها بين الفينة والأخرى، كلّما شاركت في لقاء له علاقة بموضوعه أو قرأت مقالة ودراسة وأو كتاباً له علاقة بهذا الموضوع. فكانت أنْ توفرت لي شبه إحاطةٍ بمضمونه ومبتغاه ».
ويعتبر الدفالي بأنّه يوجد 3 خطوط عريضة تحكّمت في هذا العمل « الأوّل يتجلى في العودة إلى أصول النزاع الذي جعل الجزائر والمغرب في نوع من المجابهة. أما الخط الثاني، فإن المستندات المصدرية الرئيسية هي عبارة عن أرشيفات لا نعرفها أيْ أنّها جديدة ظلّت بمنأى عن اهتمام الباحثين لمدة طويلة. أما الخط الثالث هو الانفتاح على تاريخ الاستعمار في المغرب الكبير وإفريقيا الغربية. وبسبب هذا الثالوث جعل الأستاذ الجيلالي يتجاوز مجموعة من الطروحات السابقة حول الصحراء. ويصبح له مدخل من الجغرافيا السياسية في بعديها التاريخي القديم والراهن. وكذلك في محاورتها للمحلي والإقليمي، لكنْ ضمن استراتيجيات الاستعمار ومصالحه في المنطقة ». كل هذا في وقتٍ ذهب إليه مصطفى القادري، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، إلى تحليل لمختلف الأحداث التاريخية التي طالت الجنوب المغربي.
يتميّز كتاب الجيلالي عدناني بقوّته المصدرية وكثافة أرشيفاته المتنوّعة، بما يجعل القارئ يفهم موضوع الاستعمار في علاقته بالصحراء المغربية ودوافعه تجاهها. بل إنّ العدناني تجاوز في كتابه هذا النظرة الضيّقة التي يُكتب بها عن الصحراء من خلال موضوعاته قانونية ورؤى سياسية تحكّمت في الموضوع. هكذا يعمد الجيلالي العدناني إلى موضوع الصحراء وموضوعته في سياقه التاريخي لفهم مآلات هذه القضية. وللاشتغال على هذا الموضوع على طول 419 صفحة، اشتغل الباحث على مجموعة من الأرشيفات المختلفة والمتنوعة التي تؤكّد مغربية الصحراء، لا من وجهة نظر سياسية وقانونية، بل من خلال العودة إلى ماضي القضية والسفر في مجموعة من الأرشيفات العالمية التي قضى فيها وقتاً طويلاً قبل أنْ تكتمل صورة الكتاب ومضامينه.
كما عمل العدناني على توسيع مفهوم الوثيقة التاريخية وجعل المنهج التاريخي ينفتح على مناهج أخرى من العلوم الإنسانية والاجتماعية من أجل توحيد المقاربة وإبراز خصوصيات الموضوع من وجهة نظر معارف أخرى.