تأتي قيمة هذه الدراسة أنه في الوقت الذي تخلى فيه مجموعة من النقاد على دراسة الشعر تعمل الباحثة حورية الخمليشي على إعادة التفكير في العمل الشعري، لكنْ ليس من منظور عام وإنما من خلال عنصر بصري يهدف إلى تفكيك الأنساق الأدبية الفنية المتداخلة في تشكّل القصيدة، وهو ما يجعل البحث يحظى بأهمية بالغة في قراءة التطوّرات التي عرفه العمل الشعري وانفتاحه على وسائط تعبيرية أخرى لعبت دوراً كبيراً في تحقيق تناغم كلي بين الكتابة والصورة.
لهذا تُعد حورية الخمليشي من الأسماء النقدية المغربية الهامة التي استطاعت تقديم أعمال نقدية مغايرة على مستوى الكتابة والتأويل، فهي من الأسماء النقدية التي وضعت القصيدة داخل مختبر التحوّلات الأدبيّة التي ألمّت بالعمل الشعري المعاصر والتي قادته إلى الحفر في مناطق يباب لا مفكّر فيها، انطلاقاً من توسيع الحدود الفاصلة بين الأدب والفني ومحاول تفكيكها وإظهار ما تحبل به هذه العلاقة من قوّة على مستوى الكتابة.
تقول الناقدة «يعد تجاوز الأجناس الأدبية ولفنية البصرية في القصيدة العربية المعاصرة من أبرز القضايا التي استأثرت باهتمام النقد الحدث المعاصر، لما عرفه الشعر العربي في القرن الأخير من تحولات جذرية فتحت آفاقاً جديدة أمام الشاعر، مكنته من تكسير بني الأشكال التقليدية وخلق أفق فكري وجمالي منفتح على التجريب والتعدد بعيد عن الانغلاق. وقد جاء تداول الأجناس الأجناس وتفاعلها في الشعر العربي المعاصر مواكباً لما شهدته الحركة التحديثية في أوروبا، وما بشّرت به الحركة الرومانسية العربية من رؤى تجديدية تسعى إلى تحرير النص الشعري من قيود القوالب الموروثة».
وترى الخمليشي «إنّ التلاقي الأجناسي في القصيدة المعاصرة يثير كثيراً من الغموض النظري والمفاهيمي بسبب التداخل بين الأجناس الأدبية من جهة. وبينها وبين مقاربات تحليل الخطاب من جهة أخرى. ومن هنا تطمح هذه الدراسة إلى المساهمة في استجلاء ظاهرة التجاور والتداخل الأجناسي بين الشعر والسرد، من خلال تتبّع انفتاح القصيدة المعاصرة على الأجناس الأدبية وكذلك على الأجناس الفنية البصرية بما تتيحه من إمكاناتٍ جمالية وتعبيرية جديدة».




