ويحظى الكتاب الصادر حديثاً ضمن منشورات دار المتوسط بقيمة كبيرة في مجال الفكر العربي، لأنّه يذهب بهذا الفكر صوب مناخات مختلفة بعيدة عن الموضوعات المتداولة التي تتصّل بالسياسة والدين وغيرها. ورغم أنّ هذه الموضوعات استنفذت مادتها على مستوى التفكير والكتاب، ما يزال الفكر العربيّ المعاصر مُلتصقاً بها باعتبارها تشكل في نظره المدخل الحقيقي للحداثة ومباهجها. ما يجعل هذا الفكر منغلقاً على ذاته، فهو فكرٌ يدور في إشكالات محدّدة ولا يعطي لنفسه إمكانية البحث في قضايا تتّصل بالصورة والفضاء والجسد والتشكيل والسينما. بهذه الطريقة يغدو الفكر العربي ذاتاً ملتحمة بتحوّلات العالم وليس أسيرة ماضٍ لم يعُد يُقدّم شيئاً، أمام واقع يحبل بتحولات وأنظمة ورموز وقيم. أنْ يصدر أحمد عيدون كتاباً يستشكل الفكر الموسيقى معناه أنْ تكتب في أفق فكري مفتوح على الحداثة.
تأتي قيمة الكتابة في أنه يُعيد للفكر الفني قيمته من ناحية التفكير. كما يُبرز بطريقة واضحة أهمية الفنّ في مشاغل المفكّرين العرب، انطلاقاً من النزر القليل من المؤلفات المتفرقة على طول البلاد العربيّة. والحقيقة أنّ الفكر الموسوعي الذي تميّز به الفارابي قد قاده في وقتٍ مبكّر جداً إلى التفكير في الموسيقى والتعامل معها على أساس أنّها أكثر من صوت ونغم.
جدير بالذكر أنّ الدكتور أحمد عيدون، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد بأطروحته حول الصناعات الثقافية والإبداعية، خريج المعهد الوطني للموسيقى بالرباط في مواد الصولفيج والعود والتأليف الموسيقي، أستاذ محاضر حول قضايا التراث الثقافي والفني من حيث التشريع والصيانة والاستثمار. صدر له: موسيقى المغرب، والموسيقى الروحية، والنوبة المغربية (الموسيقى الأندلسية المغربية)، الموسيقى الأمازيغية، وأزوان الموسيقى الحسانية، والموسيقى عند يهود المغرب.