ينتمي التازي إلى جيل سينمائي جعل من السينما أداة لتغيير الواقع. فهو يُؤمن أنّ الصناعة السينمائية عبارة عن تفكير دقيق في المجتمع، لكونها تسعى جاهدة إلى القبض عن بعضٍ من آلام الفرد وأوجاع المجتمع وانحلال السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية خلال مرحلة تاريخيّة معيّنة. فهذا الحدس بقيمة السينما كوسيلة لرصد أوضاع المجتمع تتبدّى في مختلف أفلام جيله.
كما أنّ التازي يعتبر واحداً من الأسماء الفنّية التي لها ما يُميّزها من الناحية السينمائية. ذلك إنّه يتوفّر على مشروع بصريّ نابعٌ من البيئة المغربية وشجونها. أيْ أنّ أفلامه تأتي باعتبارها أثراً أو جُرحاً وليس مجرّد صُوَرٍ سينمائية عابرة للمتن الفيلمي. وإذا استثنينا فيلمه السينمائي الأخير « فاطمة المرنيسي » سنعثر على خيطٍ جمال رفيع بين مُختلف أفلامه خاصّة على مُستوى النسق الاجتماعي المُضمر في ثنايا الصُوَر. ما يعني أننّا أمام سيناريوهات مفكّرٌ فيها وليس مجرّد نصوصٌ أدبية عابرة للأفلام. إنّ سيناريوهات أفلام محمّد عبد الرحمان التازي تمتلك من الخصوصية الفكرية ما يجعلها مؤثّرة في بنية الصور.
إنّ الوعي بقيمة الصورة كوسيلة للتحرّر من الماضي وسراديبه تبدو بارزة في سينما عبد الرحمان التازي. ويُعد هذا الوعي الجمعي بقيمة السينما في كونها فناً شعبياً قادراً على التأثير في مجريات الواقع، أحد السمات البارزة في تشكيل ذائقة هذا الجيل السينمائي الأوّل ورغبته في خلق مناخ فنّي تغدو فيه الصناعة السينمائية على تواضع إنتاجها في ذلك الإبان وسيلة مشتركة للتفكير في قضايا المجتمع وأهواله ومآزقه وتصدّعاته.
وقد حظيت أفلام هذا الجيل من صنّاع الفنّ السابع بالمغرب باهتمام كبير من لدن الباحثين الذين يجدون فيها نبضاً حياً لتحوّلات المجتمع المغربي. والحال أنّ هذا النوع من الأفلام يجد مُبرّره من الناحية المعرفية في السياق التاريخي الذي تنتمي إليه هذه الأفلام. وهو سياق سياسي معطّل، كان المغرب قد خرج فيه من سنوات الجمر والرصاص التي طبعت مغرب السبعينيات، بعدما أصبحت فيه الآلة السياسيّة تُمارس ديكتاتوريتها القمعية على الفضاءات العمومية التي كان المثقف أحد المتضررين من بطشها وجُرحها الذي لم يندمل بعد. وبقدر ما أثّرت هذه المرحلة على المسار الديمقراطي للمغرب وساهمت في تدهور أوضاعه السياسية والاجتماعية، كان لها أثر كبير على الجسد الإبداعي المغربي أدباً وفناً.
فقد برزت العديد من الأعمال الأدبيّة والسينمائية والمسرحية والموسيقيّة التي تُدين فداحة الواقع السياسي المُعطّل من جرّاء الاستخدام المُفرط واللامتناهي للسُلطة تجاه أفراد المجتمع. من ثمّ، فإنّ تشكّل الوعي السياسي لدى كوكبة من المخرجين ومن بينهم التازي له علاقة قوية بما كان يعيشه مغرب نهاية السبعينيات. وهو سياق أثّر بشكل كبير في وجدانهم ودفعهم بشكل تلقائي إلى التفكير فيه من وجهات نظرٍ مختلفة وآراء سياسيّة متباينة، بين من تُوجّه نقداً لاذعاً للسُلطة وجبروتها وبين من تحاول ملامسة السطح، دون أنْ تضع أصابعها في وحل السياسة ومكرها.
ظلّ محمّد عبد الرحمان التازي، وفياً في مُجمل أفلامه للنسق الاجتماعي، بوصفه أداة لمسرحة الواقع. غير أنّ هذا الالتصاق الحميمي تجاه الواقع، لا يأتي بطريقةٍ ميكانيكية وإنّما كنمطٍ من الحرية البصريّة التي تُتيح للمُخرج التفكير في براديغم الواقع وبنياته وشبكاته وتفكيره. إنّنا هنا أمام صُوَرٍ سينمائية مُكثّفة تُضمر اشتغالاً عميقاً على الصورة ومُتخيّلها.