ويرى صاحب « رائحة المكان » أنّ « التّغيُّر قانونٌ حاكم في المجتمع الإنسانيّ كما في الطّبيعة. وما من شيءٍ من ظواهر الاجتماع والاقتصاد والسّياسة والمعرفة يظلّ ثابتًا على قَوامٍ دائم، حتّى وإن بَلَغَ عُمرانُه من الرُّسوخ شأوًا كبيرًا؛ إذ سرعان ما يأتي على الثّابت والرّاسخ حينٌ من الدّهر يتغيّر فيه ويتّخذ هيئةً جديدة. وإذا كان التّغيُّر في الطّبيعة محكومًا بقوانين الطّبيعة، فهو في المجتمعات مرتبط بالإرادة وبالأفعال الإنسانيّة. ولأنّ وراء التّغيير في الاجتماع الإنسانيّ فاعليّةً مَأْتاها من الإرادة الإنسانيّة، فإنّ زمنَ التّغيُّر أو الأزمنة التي يقع فيها فعْلُ التّغيُّر في الظّواهر الإنسانيّة والاجتماعيّة ليس زمنًا واحدًا ثابتًا، وإنّما هو زمنٌ متبدّلٌ، باستمرار، ومرتبط بما يقع من تراكُمٍ أو تطوّرٍ في الإرادات الإنسانيّة التي تصنعه ».
يحاول هذا الكتاب تقديم « روايةٍ نقديّة عن الأوضاع العربيّة القائمة، والمستمرّة تَهالُكًا منذ مطلع تسعينيّات القرن العشرين، جنبًا إلى جنب مع محاولة مطالعة هذه الحال من التّغيُّر الهائل التي يعيشها العالمُ من حولنا؛ وهو تغيّرٌ يفضي إلى إعادة تشكيل ملامح صورةٍ جديدة للعالم. ويُميط الكتاب اللثام عن مفارقةٍ حادّة: تَهالُكٌ عربيّ مصحوبٌ بانسدادٍ حادٍّ في الآفاق وافتقار شديدٍ إلى القُوى والأدوات والبرامج والرّؤى والخيارات، مقابل صعود قوًى أخرى من محيطنا الجنوبيّ كانت أوضاعُها – إلى عقودٍ قليلة خلت – أشبه بأوضاعنا بل أسوأ أحيانًا.
ويُعتبر عبد الإله بلقزيز، أحد أبرز المفكّرين المغاربة الذين قدموا متناً فكرياً أصيلاً ومُنغرساً في البيئة العربية وشجونها. ذلك إنّ كتاباته قويّة البُنيان وأصيلة من حيث الإبداع المفاهيمي المُتّصل بشؤون الاجتماع العربي وتبدّلاته. فكتاباته تتوزّع بين التأليف في الفكر العربي ونقد الاستشراق. وتتميّز كتاباته بنوعٍ من التركيب الذي يُحوّل الكتابة إلى عملية بناء للسياقات والأفكار والمفاهيم، بغية الخروج بتحليل دقيق.