أشرف الحساني يكتب: الرأسمال الرمزي

في 25/10/2024 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 25/10/2024 على الساعة 07:30

مقال رأييلعب الرأسمال الرمزي دوراً كبيراً في تشكيل ملامح وهوية الشعوب، خاصّة تلك التي تمتلك تاريخاَ ضارباً في القدم، كما هو الحال بالنسبة لبلدٍ مثل المغرب الذي تُؤكّد بعض اللقى الأثريّة في كونه أقدم الفضاءات في تاريخ البشرية.

لا يعنينها هنا الرأسمال الرمزي إلاّ باعتباره يُشكّل قيمة مضافة بالنسبة للبلدان التي تسعى جاهدة إلى استثمار تاريخها وذاكرتها. بحيث أكّدت بعض التجارب الغربية أنّ الاستثمار في عقول البشر، يُعدّ أحد أبرز الأشياء قيمة بالنسبة للبدان، لأنّ تلك العقول هي التي ستسعى لا محالة إلى النهوض سياسياً واقتصادياً وثقافياً بتلك البلدان وليس الرأسمال المادي فقط. إنّ مشكلة المغاربة اليوم تتمثّل في نبذهم لمختلف أشكال التحصين الرمزي المؤسّس على القراءة والدراسة والتعلّم، فنادراً ما نعثر على أمكنة للقراءة ومشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى داخل فضاءاتٍ عمومية ينعدم فيها الفنّ والجمال. إنّ الرهان على الرأسمال الرمزي اليوم، يُعدّ أحد أبرز الرهانات التي تواجه المجتمع من أجل تحصين نفسه من التفاهة المقننة المنتشرة على السوشل ميديا. إنّ الثقافة ليست إكسيسوار نتباهى به في الحفلات والمعارض واللقاءات والشاشات الصغيرة، لكونها عبارة عن مشروع حقيقي قادرٍ على تخليص المجتمع من مظاهر الابتذال والجهل والسطحية.

إنّ عملية بناء المجتمعات لا تتمثل بالرأسمال المادي عن طريق إقامة المباني وتشييد المنشآت السياسية وغيرها، بقدر ما يعتبر أحد العوامل الأساسية التي تُساهم في نمو المجمعات المعاصرة. وذلك لأنّ الفرد يكون فاعلاً وقادراً على التفكير في إيجاد حلول لما يعيشه المجتمع سياسياً واجتماعياً وثقافياً. غير أنّ الملاحظ في طبيعة الحياة اليوميّة للمغاربة لا نعثر على اهتمام بالثقافة ورأسمالها الرمزي مقارنة بأشياء أخرى مرتبطة بالأكل والتسوق واللباس والترفيه. ولا شكّ أنّ تدنّي المستويات الثقافية للعديد من الأفراد داخل المجتمع بمن فيهم الذين يمتلكون مجموعة من الديبلومات والشواهد العليا. فالثقافة تراود الجسد على التفكير والحلم والابتكار، بل والمشاركة في الفضاء العمومي من خلال آراء ونقاشات ذات صلة بالمجتمع والسياسية على حد سواء.

نادراً ما تعثر على أشخاص لهم رأي في طبيعة سير الحياة اليوميّة. ذلك إنّ أغلبهم لا يقرأ ولا يتابع مجريات السياسة وكواليسها. وبالتالي، تجدهم على أعتاب شاشات هواتفهم الذكية يشاهدون الفيديوهات التافهة التي يؤججها بين فترة وأخرى صناع المحتوى. ففي الوقت الذي يحقق فيه العالم طفرة نوعية في مجال التواصل الاجتماعي والاستفادة منها من الناحية المعرفية، يقضي العديد من الناس أوقاتهم في تحسين مظاهرهم الخارجية وحياتهم الاجتماعية. فهم ينظرون إلى الثقافة على أساس أنّها مجرّد بذخ لا يُحقّق أيّ شيء.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 25/10/2024 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 25/10/2024 على الساعة 07:30