في تقديمه للكتاب يقول الباحث « لقد استغرق مني هذا الكتاب أكثر من العاميْن ونصف العام بيْن العمل الإثنوغرافي الشاق والفحص النظري الأنثروبولوجي المضني، بين الوصف والتحليل، فالمقارنة والتأويل. وهو أول عمل في العلوم الاجتماعية يتناول الضيافة بالبحث والدراسة، في المغارب والمشارق. إنه تتويج لمجهود علمي ومنهجي استغرق تطويره أكثر من سبعة أعوام ».
من ثمّ يتطلع هذا الكتاب إلى « كتابة أو دراسة الضيافة أنثروبولوجياً في حالة مغربية بعينها هي حالة « ضِيَافَة دُكَّالَة »: من ضيافة إثنوغرافي إلى إثنوغرافية الضيافة، ومن التحليل الإثنولوجي القصدي إلى التأويل الأنثروبولوجي السياقي. يتعلق الأمر هنا بضيافة البَرَّانِيّ المُتجذِّر: ضيافة الغريب المُتجذِّر( الغَرِيب المَحَلِّيّ) ».
وإنْ كان الرهان الأساس لهذا العمل أو البحث هو « دراسة الأشكال الأساسية للضيافة، فإني اهتديتُ إلى مفهوم فينومينولوجي للضيافة (البَرَّانِيّ المُتَجَذِّر)، وما يقوم عليه من استراتيجية منهجية انعكاسيّة تمخَّضت من صميم البحث: الانْعِكَاسِيَّة المُتَبَادَلَة. من شأن هذا المفهوم أن يفتح آفاقاً خصبة أمام دراسة الأشكال الجديدة للضيافة في المغارب والمشارق، كما هو شأن الأشكال الجديدة للنزوح واللجوء وغيرها ».
تقوم ضيافة البَرَّانِيّ المُتَجَذِّر على اقتصاد اجتماعي تبادلي ( نظام الزْرُورَة)، فضلاً عن قانون مقدس للضيافة( ضيافة الشرفاء)، علاوة على « ضيافة الغَضْبَانْ » التي ساهمَت في تخصيب مفهوم البَرَّانِيّ المُتَجَذِّر واختماره. ليتسنى للقارئ فهم الكيفية التي تستحيل فيها الضيافة إلى نقيضها؛ إذا كانت الضيافة تُساهم في تحويل البَرَّانِيّ إلى جُوَانِيّ (حالة ضيافة الشرفاء) فإن الامتناع عنها يؤدي إلى تحويل الجُوَّانِيّ إلى بَرَّانِيّ (حالة ضيافة الغَضْبَانْ). فبفضل هذا المفهوم الانْعكاسيّ المُتبادَل للضيافة، تمكنتُ من إعادة تعريف الأنثروبولوجي بوصفه ضَيْفاً مُحْتَرِفاً، ومن ثم إعادة تعريف حِرفة الأنثروبولوجيا باعتبارها ممارسة علميَّة للضيافة المُتجَذِّرَة أو البَرَّانِيَّة المُتَجَذِّرَة ».