بِليم، الأسطورة العائمة للبحرية الفرنسية، ترسو في ميناء طنجة المدينة خلال محطة تمتد ليومي 10 و11 مايو. وسيحظى المحظوظون الذين حجزوا مكاناً مسبقاً على متنها بفرصة استعادة العصر الذهبي للملاحة الشراعية.
بِليم: ناجية من المحيطات
بُنيت سفينة بِليم سنة 1896 على ضفاف نهر اللوار، وما زالت حتى اليوم تشقّ الأمواج بعظمة كبار السفن في الماضي. في طنجة، ستمنح الزوار ومحبي البحر لحظة غنية بتاريخ حي. في الميناء، يلفت شكلها الأنظار: 22 شراعاً، تشابك من الحبال، وخشب عتيق مصقول، بطول 58 متراً وعرض 9 أمتار.
أربع حيوات، ونفس واحد
عبرت بِليم العصور كما تعبر المحيطات: بالصمود والرشاقة. وُلدت بدايةً لأغراض تجارية، مملوكة من قبل مصانع شوكولاتة « مينيي ». كانت تنقل شحنات الكاكاو من ميناء بيلم البرازيلي - الذي استمدت منه اسمها - إلى أوروبا، ونفذت ما لا يقل عن 33 رحلة عبر الأطلسي حتى سنة 1913.
ثم جاء زمن الفخامة. ففي عام 1914، بيعت السفينة وأصبحت يختاً لدوق ويستمنستر. وقد أعاد مالكها الجديد، السير آرثر غينيس، وريث مصنع الجعة الشهير، تسميتها إلى « Fantôme II »، وأبحر بها في رحلة حول العالم بين عامي 1923 و1924، مقدّماً للسيدات آنذاك صالوناً خاصاً على متن السفينة، أصبح اليوم قاعة طعام الضباط.
بعد الحربين، بدأت حياة جديدة في مدينة البندقية. حيث تحوّلت السفينة إلى مدرسة بحرية لتعليم أيتام البحرية الإيطالية. وأُطلق عليها اسم « جورجيو تشيني »، تكريماً لابن مؤسس مؤسسة تشيني، الذي توفي غرقاً في البحر. فصارت مهداً لجيل جديد يتعلّم في جو من الانضباط والأمل.
وفي سنة 1979، عادت السفينة أخيراً إلى وطنها، فرنسا. قامت « كاييس ديباغن » بشرائها، وأسست مؤسسة بِليم المخصصة لحمايتها. أُعيد ترميمها وتجهيزها، ورفعت مجدداً الألوان الفرنسية. وصُنفت كمعلم تاريخي سنة 1984، لتعود إلى البحر، لا كأثر متحفي، بل كسفينة حيّة تُورّث وتُشارك.
سفينة ورسالة
حتى اليوم، لا تزال بِليم تجوب البحار، مدفوعة بالرياح، يقودها طاقم من 16 بحاراً محترفاً من البحرية التجارية. على متنها، لكل فرد دوره: قبطان، ملازم، طاهٍ، عامل أشرعة... يجمعهم هدف واحد: إبقاء السفينة تبحر، وصيانة روحها، ونقل شعلتها للأجيال القادمة.
كما تعد بِليم مدرسة بحرية. ففي كل موسم، يتناوب نحو أربعين بحاراً لتعليم المتطوعين أصول الملاحة التقليدية. ولا يشترط أن يكون المرء بحاراً متمرساً: فالصعود على متنها يعني التعلّم، والمشاركة في المناورات، ورفع الأشرعة، والمناوبة الليلية، وتناول الطعام في « الباتري » - وهو فضاء كبير للحياة حيث ينام، ويأكل، ويتبادل الحديث 48 شخصاً حول طاولة خشبية طويلة.
متحف حي على سطح الماء
زيارة سفينة بِليم هي دخول إلى عالم خارج الزمن. تستقبل القاعة العلوية البحارة للتدريب البحري، كما تستقبل الزوار خلال المحطات. يمكن للزائر أن يرى الأسرّة التي ينام فيها البحّارة المتدربون، صالون القبطان، ورشة النجار، والسلم الخشبي الكبير المصقول. كل زاوية تحكي قصة، وكل لوح خشب يحتفظ بذكرى من عاشوا على متنها.
لقد شهدت هذه السفينة كل شيء، ونجت من كل المحن: حريق كاد يلتهمها، قصف حربين عالميتين، زلزال في اليابان، وانفجار جبل بيليه... ومع ذلك، لا تزال تبحر.
سفيرة للبحر والتاريخ
لا تتوقف بِليم عن تمثيل فرنسا في أبرز التظاهرات البحرية: في نيويورك عام 1986 بمناسبة مئوية تمثال الحرية، في كيبيك سنة 2008، في لندن عام 2012 خلال اليوبيل الملكي للملكة إليزابيث الثانية، ومؤخراً سنة 2024، حين نقلت الشعلة الأولمبية من أثينا إلى مرسيليا استعداداً لألعاب باريس.
وفي طنجة، كما حدث في الرباط، تتوقف بِليم خلال عطلة نهاية الأسبوع لتروي قصتها. يحلم الأطفال أمام أشرعتها الهائلة، ويسترجع الكبار حنين السفن القديمة.



