وتأتي قيمة هذا المهرجان في كونه يفتح نافذة على التراث اللامادي المغربي ويكشف بقوّة عن فنّ التبوريدة الذي يُعدّ أحد العناصر المميزة لهذا التراث اللامادي، لأنه يكشف بطريقة مذهلة عن هذا الفنّ الضارب في القدم، باعتباره سلوكاً مغايراً وممارسة نوعية يصعب العثور عليها في تراث الآخر. ورغم كثرة المهرجانات حول التبوريدة بالمغرب، فإنها تبدو غير كافية، خاصّة في زمن يختفي فيه الاهتمام بالموروث الشعبي المميز للحضارة المغربية. فبدون هذا الموروث لا يمكن للبلدان أنْ تضمن هويتها واستمراريتها داخل الزمن الراهن. ذلك إنّ التراث ليس إكسيسواراً وإنّما يعمل بمثابة براديغم فكري منه تتبلور الرؤى والأحلام ومنه تنسج البلدان التي تتوفّر على تاريخ ضارب في قدم الحضارة الإنسانية روح حضارتها وذاكرتها ويصبحان يشغلان الراهن المغربي.
يُقدّم هذا المهرجان فرصة للمغاربة للعودة إلى تاريخهم وذاكرتهم وفهم طبيعة هذه الممارسة التي تقترب إلى الفنّ من ناحية اللباس والكلام والحركة. إنّها تعبير بالغ الأثر في الذاكرة المغربية، وذلك لأنّ التبوريدة تستعيد نمطاً من الحياة القبلية داخل البوادي لكونها تُصوّر مشهداً من الهجوم العسكري التقليدي خلال حقب تاريخية متباينة. وعلى مدار قرون ظلّ المغاربة يحتفلون بهذه الممارسة ويعتبرونها تراثاً فنياً ينتمي لهم.