حرص كوكبة من الكتاب والشعراء بالمغرب في الآونة الأخيرة على اختيار أدب الرحلة فضاءً للتعبير عن هواجسه وأفكاره ومواقفه تجاه الواقع وذلك بحكم الإمكانات التخييلية المُدهشة التي تتيحها كتابة الرحلة مقاربة بالأجناس الأدبية الأخرى مثل القصة والرواية والشعر. فهذه الأجناس وإنْ كان بعضها يمنح للكاتب متنفساً جديداً، فإنّ مفهوم الجنس الأدبي نفسه قد يُعيق فعل الكتابة ويجعلها تخضع لمجموعة من الشروط والمحددات والسياجات التي لا تجعل الحساسية الجمالية للكاتب تتبلور بشكل أقوى. كما أنّ عملية التشجيع على أدب الرحلة وجمالياتها من لدن المؤسسات يساعد الكاتب على خوض مغامرة الكتابة وفق رؤيةٍ أدبية مغايرة.
يقول أحمد العمراوي عن كتابه الجديد « تقييد الرحلات عادة قديمة تكشف عن مستور الرحالة، وعن تضخم أناه وربما وكأن لسان القوم أو متنبي العصر، سيُمتّع ذاته قبل أن يسعى لإفادة الآخر: القارئ المؤشر. العين هي المدخل أولا، وحين يصل صداها إلى الدماغ تسجل ما تراه لتُخرجه للناس مكتوبا بصيغة ناقله، ممزوجاً بالتأمّل. وقد يكون المكتوب المقروء من طرف الآخر أهم من آلة التصوير، هذه الآلة الجامدة التي لا روح فيها والتي تنقل الواقع للآخر، فتُصيب الذهن بكسل رغم إبهاجها للعين بمؤثرات حديثة جداً. ويبقى السؤال العريض هو: لم يحرص المسافر الرحالة على تسجيل كل تفاصيل رحلته. هل هي مقارنة بين الأنا والآخر؟ هل هو تفصيل للمكان والزمان المغايرين ونقلهما للقرين المشابه؟ هل هي الدهشة التي لا مناص للكاتب المسافر من تجسجيلها؟ أم أن كل هذه الأمور مجتمعة وغيرها هي ما يدفع للتدوين والتسجيل، ثم نشر ذلك على الناس. إنها الحاجة للبوح وهو أمر غامض لا يتم الكشف عنه إلا بفضح السر وكل كتابة لا تفضح السر فمآلها النسيان والتلاشي ».




