حسب المؤسسة «تقع الصحراء المغربية في ملتقى مسارات جغرافية حيوية، ربطت شمال أفريقيا بجنوبها وبالمجال المتوسطي والمحيط الأطلسي منذ انبثاق الحَدَث المرابطي، الذي شكل منعطفا تاريخيا في تأسيس الدولة المركزية بالمغرب، وامتداد آثار هذه الدينامية مع الدول التالية، إلى أن صار المغرب الكبير ممرا حيويا للمبادلات الدولية طيلة القرون الوسطى الإسلامية. إن الدمج التاريخي للمنطقة في جغرافيا العالم الإسلامي الواسع، ترك آثاره على الصحراء الأطلسية على مستويات الثقافة والدين واللغة والاقتصاد وأنماط العيش، وكذلك على المستوى الجيو-استراتيجي إذ صار التحكم في الصحراء ميدانا حيويا لصراع ممتد وطويل واجه فيه المغرب أطماع القوى الأجنبية منذ عصر التوسع الامبريالي فعصر الحركة الاستعمارية وانتهاءً بصراعات القرن العشرين الطويل».
وإذا كانت الصحراء «بمكوناتها الجغرافية والبشرية موضوعا للتراث المحلي في مختلف تجلياته الصوفية والفقهية والأدبية والتاريخية، فإنها صارت أيضا قطبا جذابا للرحالة الأوروبيين في القرن التاسع عشر، الذين كتبوا عنها نصوصا تغذي المخيال الأوروبي برومانسية غموض الصحراء الآسر، ومباهج المغامرة في أرجائها. كما ألهمت العديد من كُتَّاب روايات الاستكشاف، وصولا إلى دراسات الإثنوغرافيين والجغرافيين التي أُجريت خلال القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين».
كما أن أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية عن الصحراء المغربية «تُظهر تنوّعا في التخصصات والمقاربات المُستخدمة لتحليل الحياة المركبة للمجتمع الصحراوي: أبحاث عن النظام الاجتماعي القبلي، ودراسات اجتماعية وأنثروبولوجية عن البناء الثقافي والرموز واللغة، إضافة لأعمال عن الإنتاج الفكري أدبا وفقها وتصوفا ورحلات وغيرها. علاوة على ذلك، تحضر الأبعاد البيئية والاقتصادية في دراسات مُعمّقة، لا سيما فيما يتعلق بمواردها المائية، ونظم الواحات، وديناميكيات الرعي البدوي، وآليات التحول نحو المجتمعات المدينية في فضاءات صحراوية».
إن أنماط التراث المادي وغير المادي الذي أبدعته ساكنة الصحراء المغربية للتكيف مع إكراهات الطبيعة ومتطلبات العيش، جعل من الصحراء فضاء للذاكرة والإبداع النابض بالحياة، تتقاطع فيه طموحات الإنسان بكثافة التاريخ وأشواق الروح، فأينع ذلك كله تجارب ومعارف محلية تنم عن بصيرة العيش في بيئة، شهدت وتشهد تحولات بالغة الأثر، على مستوى العمران والتمدن والانخراط في شبكات العالم الحديث (الطرق، النقل، الكهرباء) وكذلك على مستوى المشاركة في تدبير الإمكانات والطموحات التي ينعشها استقرار العيش وأمن الأنفس.




