لم يفشل المثقف في إرساء دعائم الإصلاح النهضوي منذ منتصف القرن العشرين، لأنّه لا يملك رؤية استراتيجية أو مشروعاً فكرياً به يُجابه تحوّلات الزمن، بل السبب يعود إلى أمور في مُجملها سياسية ساهمت الأنظمة العربيّة في إجهاضها والحدّ من تأثير الفكر الحداثي على مخيّلة الناس ووجدانهم. غير أنّ صمت المثقف اليوم في الكثير من التغيّرات التي تطال المغرب في قضايا قريبة من الشأن العام، تدفع المرء إلى السؤال حول جدوى المثقف، في وقتٍ أصبح « التيكتوكيون » يرسمون أفقاً آخر للبلد. أصبح نجوم السوشيال ميديا والدعاة بمثابة المرجع الفكريّ للناس، إذْ لم يعُد للمثقف أيّ دورٍ. فما الغاية من تأليف كُتبٍ لا يقرأها أحد؟ في وقتٍ يعرف فيها الواقع تحولات عميقة تستدعي تدخّل المثقف. بل إن الكثير من المثقفين دخلوا في سباتٍ يبدو وكأنها بات أبدياً، بعضهم يعتبر أنّ السياسة أفسدت قيم المثقف العضوي الغرامشي وبعضهم الآخر يرى تقديم رأيه حول قضايا الرأي العام وكأنّه أشبه بالدخول في مستنقع.
أصبح لنجوم السوشيال ميديا سلطة كبيرة على الناس. ففي ظلّ تصاعد معدّلات الجهل وانخفاض معدل القراءة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة مختبر لإنتاج التفاهة المتأنقة، حيث الكل يُريد أنْ يعطي رأيه في الدين والثقافة والفن والسياسة والمجتمع. لكنْ في مقابل ذلك ينسحب المثقف إلى الوراء مُفسحاً المجال للأشباح وهم يحاضرون في العلم والمعرفة ويُتاجرون في الدين إما كورقةٍ سياسية أو أداة لممارسة السُلطة على تفكير الناس وجياتهم. أصبح الداعية بمثاب المفكر الحداثي الذي يستعمل التقنيات الحديثة لتضليل الناس، حتّى غدا بعض الدعاة أشبه بالنجوم، يحشدون وراءهم جماهير غفيرة تنضبط لنشيدهم الدعوي. وأمام هذا الوضع، يجد المثقف نفسه في وضع مُحرج، لكونه لم يجدّد أدواته ويقتحم من خلال مناهجه العلمية ورؤاه المعرفية عرش السوشيال ميديا، حتّى تصل كلمته للناس.