تحرص الجهة المنظّمة للحدث المسرحي ككلّ سنة مضت، على تقديم عروض مسرحية عالمية رفيعة، لدرجةٍ تجعل المرء يندهش من قوّة هذه العروض المسرحية وطريقتها التعبيرية المغايرة عن باقي الأشكال الفرجوية الأخرى بما فيها الاحترافية. وتعمل هذه الفرق المسرحية الجديدة على اجتراح أفق مسرحي مغاير عن النماذج التي تمثل المسرح المعروف. لقد أصبح المهرجان من الفضاءات الفنية الهامّة التي تعطي للمشاهد فسحة من التفكير والتأمّل. وذلك بحكم سبقه التاريخي وقيمته المعرفية ومكانته الفنّية في تقديم العديد من الوجوه المسرحية. ويضاهي مسرح الطلبة ما يقوم به المسرح الاحترافي، بسبب أنّ المسرح الجامعي عبارة عن فضاءٍ مفتون بالتجريب الفني ومُنصت بشكل أقوى لتحوّلات الواقع. فالفرق المشاركة من ألمانيا وأندونيسيا وكولومبيا وأرمينيا وكوريا وإسبانيا ومصر والمغرب وغيرها هي فرق مشغولة بمفاهيم الواقع والتاريخ والذاكرة ولا تعنى بنوع من مسرح الصالونات الذي سيطر على المغرب منذ ثمانينيات القرن العشرين.
تُتيح هذه العروض الأجنبية في المغرب تحقيق نوع من المثاقفة التلقائية التي تتم بين الفرق المسرحية عن طريق المشاهدة. فهي تستفيد من بعضها البعض وتتعرّف على الأشكال الفرجوية القائمة في بلدان أخرى. وبالتالي، فإنّ قيمة مهرجان المسرح الجامعي لا تأتي فقط من طبيعة العروض المسرحية، ولكنْ أيضاً من النقاش الفني الذي يكون بين الفرق رغم ما يطبعه من تأثير وتأثّر. وقد اختارت إدارة المهرجان هذه السنة أنْ يكون الجنون موضوعاً للدورة، بوصفه حالة إبداعية خاصّة وموضوعاً لا مفكّر فيه داخل الثقافة المغربية، وعياً منها بقيمة هذا المفهوم والإمكانات التعبيرية اللامحدودة التي يُتيحها على مستوى التعبير المسرحي، في خلق مشاهد بصرية مغايرة تُضمر بعضاً من أعطاب الجسد الإنساني.
يُنظر اليوم إلى مهرجان المسرح الجامعي، لا بوصفه من المهرجانات التي تحقق الترفيه والمتعة والتسلية، وإنّها على أساس كونه مختبراً للتفكير يُتيح للمشاهد معرفة أين وصلت الممارسات المسرحية الجامعية ومدى تأثيرها في المسرح الراهن. ورغم ما يبدو من تأثّر داخل هذا المسرح الجامعي من تقاطعات مع نماذج مسرحية جديدة، إلاّ أنّه على الأقلّ يُعبّر بطريقته الخاصّة وبلغته المعاصرة في القبض عن الأفكار والمواقف والأجساد. إنّنا أمام مسرحيات أكثر احترافية من المسرح الاحترافي نفسه. تجاربٌ عربية وعالمية تُعيد للمسرح المعاصر بهجته وقيمته وما ينبغي أنْ يكون عليه.
يُمكن اعتبار المهرجان قد غدا بسبب سبقه التاريخي دعامة دبلوماسية قويّة تُقدّم صورة أصيلة عن المغرب باعتباره مختبراً لتلاقي الفنون والثقافات. ورغم الأعداد الهائلة من المسرحيات التي يتوصّل بها فريق المهرجان، إلاّ أنّهم يختارون رفقة لجان علمية محكمة الأفضل من الناحية المسرحية والقادرة على خلق جديد فني يُعوّل عليه من الناحية الجمالية.