يستغرب بعض المتابعين للساحة الفنّية كيف يُمكن لمهرجان فني مُقام في المغرب وعدد المشاركين يتجاوز الفنانين المغاربة. هل يتعّلق الأمر بسياسية جديدة، ينهجها مُنظمون ينتمون لشركات خاصة وجمعيات، في سبيل البحث عن أصواتٍ غنائية «رائدة» أكثر شهرة ويستلطفها المستمع المغربي؟ أم أنّ العمل بصيغة مطرب الحي لا يطرب، يجعل المنظمين يحقّقون تفاعلات كبيرة مقارنة بالاعتماد على وجود غنائية مغربية؟ أمرٌ كهذا تابعناه في مهرجانات متنوعة، بحيث أنّ عدد المشاركين من الفنّانين المغاربة كان «ضئيلا»، ما جعل العديد من المتابعين يطرحون السؤال تلوَ السؤال حول أسباب ما اعتبروه «تهميشاً». بل يُسجّل المرء كيف أنّ عدد من الوجوه الغنائية أصبحت تجد في اللهجة المغربية فضاءً للتعبير الفنّي. هل يتعلّق الأمر بعائدات مادية كبيرة يحصل عليها الفنانون من وراء كليباتهم المُصوّرة في المغرب؟ أم أنّهم حقاً يعشقون اللهجة المغربية ويجدون فيها متعة، بحكم الأعداد الغفيرة والجماهير الهلامية التي تتفاعل مع أغانيهم الجديدة باللهجة المغربية؟
كلّ الأسئلة مُشرعة مادام أنّ الذين يطرحونها مغاربة وليسوا أجانب، بل إنّهم فنّانين يستفسرون عن أسباب عدم مشاركتهم مهرجانات غنائية ببلدهم وأمام جماهير ينتمون إليها فيزيقياً ووجودياً. هل هناك رغبة من لدن الجهات المُنظِّمة في تهميش الفنّ الجادّ كما يدّعي المغاربة؟ أم أنّ عملية الترويج للمهرجانات باستقطاب أهم النجوم والوجوه المؤثّرة في الغناء العربي يبقى في مقدّمة أجندات هذه المهرجانات؟ والحقيقة أنّ مهرجانات من هذا الحجم، رغم البعد العربي والدولي الذي يطبعها تظلّ في حاجة إلى لمسة مغربية بها تُضيء معالمها ودروبها وتجعل المهرجان يمتلك هويته الفنية والجمالية وليس مجرّد نسخة مصغّرة عن مخرجان أجنبي. تبدو الأسئلة سهلة في طرحها وبريئة من ناحية تفكير الفنانين المغاربة، لأنّها في العمق تطرح سؤال إشكالياً حول الفنّ الجاد في علاقته بالفنّ الترفيهي. ماذا تُريد المهرجانات وبالتالي الجهات الوصية على الشأن الفني بالمغرب تقديمه للناس. أغاني ترفيهية واستهلاكية صالحة للعرض والطلب أم أغانٍ حقيقية أصيلة تنتقد وتُمتّع وتبحث لها عن تجاذبات فنية مع الموسيقى المعاصرة كما تُعزف وتُنتج اليوم في العالم؟