ليس رحيل المشرقي هو ما يُثير الحزن في نفوس الناس، بل أيضاً واقع الفن بعد رحيل جيل كبير من رواد المسرح، ممّن لعبوا دوراً كبيراً في رسم صورة مغايرة للمسرح المغربي داخل البلاد العربية. إنّه رحيل يمزج الحزن بالخيبة ونحن نرى يوماً بعد يوم غياب وجوه طالما عمرّت المسرح وصنعت البهجة في وقتٍ كان فيه الممثل لا يتوفّر على أيّ شيء. لكنْ مع ذلك ظلّت بعض الوجوه تمارس الفنّ وتعتبر وسيلة من وسائل التواصل مع الجهور. طالما ينظرون إلى هذه المهنة باعتبارها مقاومة لكلّ أشكال التفاهة والانحطاط التي تُصيب المجتمع خلال لحظات معيّنة من مساره التحديثي.
وجود نعيمة المشرقي مكسبٌ كبير للساحة الفنية لكونها عموداً من الأعمدة التي ينبني ويُشيّد عليها الفعل المسرحي. وعلى مدار سنوات، احتلّت الممثلة مكانة كبيرة في قلوب المغاربة بحكم الأدوار المختلفة التي قامت بأدائها داخل المسرح والسينما والتلفزيون. إيمان المشرقي بالفنّ كان قوياً وكبيراً ويصعب العثور عليه داخل الوجوه الجديدة التي تتعامل مع الممارسة الفنّية وكأنّها وظيفة لا أكثر. في حين نعثر على وجوه عديدة مخضرمة لم تُحقّق أيّ نجاحٍ يُذكر على المستوى المادي من الفنّ، لكنْ مع ذلك فهي حريصة على تقديم حياتها في خدمة الفن بمختلف ألوانه ومشاربه.
في سيرتها الفنية مزجت المشرقي بين المسرح والسينما والتلفزيون. إذْ على الرغم من قلّة تجاربها السينمائية، فإنّها استطاعت عبر الوسيط التلفزيوني أنْ تُقدّم سلسلة كبيرة جداً من الأعمال التلفزيونية الناجحة التي دخلت قلوب المغاربة بدون أيّ مقادير إشهارية. الفنّ عند الممثلة نعيمة المشرقي حالة وجودية يوميّة وليس مجرّد بذخ اجتماعي تعمد إليه الفنانة كلّما شعرت أنّها فقدت شرتها داخل جمهورها. على هذا الأساس، ظلّت الممثلة حاضرة في عدد من الإنتاجات الوطنية وتلعب دوراً محورياً في إنجاح هذه الأعمال الفنية. ذلك إنّ وجودها يُعطي قيمة للعمل الفني إلى جانب الوجوه الفنية التي تنتمي إلى نفس الجيل.
رحيل نعيمة المشرقي، سيترك جرحاً كبيراً داخل الساحة الفنية. مع العلم أنّ هذه الوجوه الفنّية التي نفقدها يوماً بعد يوم يستحيل تعويضها بالوجوه الجديدة؟ وذلك لأنّ السياق التاريخي الذي صنع تلك الوجوه يختلف بشكل كلّي عن الوجوه الجديدة التي غالباً ما تقتحم الصناعة الفنية من عالم السوشل ميديا. بل حتّى التجارب الجديدة التي درست في مدارس ومعاهد التمثيل في المغرب لا يتوفّر الكثير منها على مواهب حقيقية وأصيلة تُضيء عتمة الفن في بلد يدّعي صنّاعه أنّه دخل باب الحداثة الفنية، ف يحين أن سلوكاته وأفلامه وإنتاجاته ماتزال تقف عند حدود نوعٍ من الفنّ التربوي الذي يُقدّم الدروس والمواعظ الأخلاقية وهذا في حدّ ذاته لا علاقة له بالفنّ على الإطلاق.