العمل الجديد لا يكتفي باستعراض أبرز المحطات التاريخية التي عرفتها المدينة، بل يذهب أبعد من ذلك عبر تتبّع مسارات أبناء دمنات الذين حملوا مشعل الريادة، واعتلوا مراتب وازنة في البلاطات السلطانية ومؤسسات الدولة، أو الذين بصموا تاريخ المنطقة بمواقف سياسية جريئة، ما رسّخ صورة دمنات كمدينة ولّادة لا تنضب طاقاتها ولا تخبو رموزها.
ويعتمد البوعيشي في هذا الكتاب على مقاربة تستحضر تداخل الأزمنة وتقاطعات المكان، مقدّمًا دمنات كمدينة ذات جذورٍ ضاربة في التاريخ، ليست مجرد تجمع عمراني، بل فضاءٌ للعلم والفقه والفلسفة، ومركز تلاقٍ تجاري وثقافي عبر القرون.
ويبرز المؤلَّف دور دمنات في تشكيل الوعي المحلي، ومساهمتها في المقاومة، والحركة العلمية، وبناء الهوية الروحية والسياسية للمنطقة.
ويكشف البوعيشي، الذي راكم تجربة ممتدة في البحث الميداني ورحلات التوثيق، عن عمق الإرث الذي تحمله المدينة، مستعرضا أسماء علمائها ووجهائها وفقهائها، ومسترجعا تفاصيل من تاريخها المعماري والاجتماعي، وما شهدته من تحولات أثْرَت هويتها ونسجت علاقتها بزمنها.
ويضم الكتاب، وهو من 400 صفحة من الحجم المتوسط، عشرة محاور رئيسية، يتناول كل منها مجالا من مجالات الحياة العلمية والفكرية والسياسية، مثل: الفقه، القضاء، الحسبة، أولياء الله الصالحون، السياسة، المقاومة والأعمال، الفلسفة، الفن، والاستكشاف.وفي كل محور، يُفرد المؤلف حيزا للتعريف بالشخصيات البارزة التي تألقت في هذا المجال، مع تقديم تراجم وافية للأعلام الذين تركوا بصمة خالدة في محيطهم.
كما يتوقف الكتاب عند أبرز الأحداث التي عاشتها دمنات والمناطق المجاورة لها، والتي شكّلت جزءا عضويا من تطورها التاريخي، ليقدّم في النهاية لوحة موسوعية تجمع بين السرد التاريخي وتثمين الذاكرة المحلية في صيغة أقرب إلى جهد بحثي شامل يعيد الاعتبار لمدينة عريقة صنعت رجالها وذاكرتها عبر القرون.
ويقدم الكتاب، الذي سيصدر في طبعة أنيقة، مادة معرفية غنية تُهمّ الباحثين والمهتمين بالتاريخ المحلي والأنثروبولوجيا، ويُعد إضافةً نوعية في حقل الكتابات التي تجمع بين الرحلة والتأريخ والسوسيولوجيا، وجهدا توثيقيا لافتا لإبراز غنى الذاكرة التاريخية والثقافية لمدينة دمنات.
