تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه من المراجع الهامة التي تعطي صورة مختلفة عن المغرب، بعيداً عن الروايات التاريخية الرسمية. إذْ على الرغم من الطابع الاستشراقي الذي تتميّز به هذه الكتابات وبالتالي، يصعب الاعتماد عليها كمرجع تاريخي، فإنّها تظلّ من جهتها الأنثروبولوجية جد هامة وتعطي للباحثين في الأنثروبولوجيا الاجتماعية أو الثقافية أو حتى أدب الرحلة إمكانية تقديم سرديات علمية مغايرة عن تلك الموجودة داخل المكتبة المغربية. على أساس أنّ الرحلة تُعدّ من المصادر الهامّة التي تعطي للباحث في التاريخ الحديث والمعاصر إمكانية الانفتاح على مدارات رحلية أخرى تسعفه على تقديم أبحاث علمية يتقاطع فيها التاريخي بالأنثروبولوجي.
يقول المؤلف النمساوي في كتابه « لا أحد يُتعب نفسه في دراسة هؤلاء الناس، وإذا أتعب شخص ما نفسه في ذلك، فإنه سرعان ما سيرى أنه ليس العرب بل نحن هم المتوحشون. أتساءل الآن من هم المتوحشون؟ أولئك الذين يؤسسون دولة لا شرطة فيها ولا مخبرين سريين أم أولئك الذين لديهم خلف كل ركن في الشارع رجل للحماية وإلا سيتعرض الناس للقتل والنهب أمام الملأ؟ أتساءل من هم المتوحشون؟ أولئك الذين يتركون بضاعتهم موضوعة بالعرض والطول في الشارع دون حماية ودون أن يُسرق أقل شيء منها، أم أولئك الذين يوصدون محلاتهم بقضبان حديدية مزودة بمنبهات كهربائية ومضاءة بالكهرباء ويحرصون على إبقائها محروسة من قِبَل حارس ليلي؟ أتساءل من هم المتوحشون؟ أولئك الذين يتركون متسوليهم يَهلكون جوعا في الشوارع العامة للندن وباريس ونيويورك أم أولئك الذين يطعمونهم كما يطعمون أنفسهم؟
يضيف « أتساءل من هم المتوحشون؟ أولئك الذين يصونون نساءهم كما يصونون هدية ثمينة أم أولئك في مجتمعاتنا الأوروبية الأنيقة والذين يشعرون بالمجاملة إذا ما أغرى نساءهم أو دنس شرفهن أحد الأمراء أو الأغنياء أو الرؤساء؟ وأتساءل من هم المتوحشون؟ أولئك الأوفياء لعقيدتهم ولا يتنكرون لها بأي ثمن – قد يُعدُّ المحمديون الذين غيروا دينهم إلى حد الآن على رؤوس الأصابع – أم أولئك الذين ينكرون اعتقادهم الديني لمصلحة بخور الجرائد أو البلاط، كما هو الأمر في النمسا؟ من هم المتوحشون ؟ أولئك الذين يدفعون ضرائبهم ويسلمونها بطواعية بقدر ما يستطيعون، أم أولئك الذين يضطر مأمورو المحكمة أو رجال الدرك إلى سحبهم من أعناقهم ».




