يعد لوغوف أحد أبرز معالم الكتابة التاريخية الفرنسية. ذلك إنّ قيمته كبيرة في حقل الدراسات العالمية، انطلاقاً ممّا قدّمه من دراسات غنية وأبحاث في غاية الأهمية، نظراً لحمولتها الفكرية الكبيرة التي ساهمت في بروز مدرسة الحوليات، باعتبارها من المدارس الرائدة في مجال الكتابة التاريخيّة في العالم، وإلى حد اليوم، ما تزال كتابات جاك لوغوف تترك أثرها الكبير في مجال البحث التاريخي، إذْ تُقدّم دائماً مجموعة من الأفكار النوعية والمواقف المختلفة حول بعض القضايا التي تطال الصنعة التاريخية. وقد استطاعت كتابات لوغوف بانفتاحها على وثائق جديدة أنْ تمارس سحرها على مخيّلة القارئ وتضعه أمام مباحث جديدة وقضايا متنوّعة لم تستطع المدرسة الوضعية أو المنهجية أنْ تسبر أغوارها باعتمادها على نمط واحد من الوثائق التاريخيّة.
يشكل الكتاب علامة فارقة في الكتابة التاريخية، لأنّه من المؤلفات التي استطاعت أن توسّع من أفق البحث التاريخي وتجعل الكتابة التاريخية تغوص في موضوعات أخرى بعيداً عن الموضوعات التنميطية حول السياسة والدبلوماسية وغيرها. نقرأ في تقديم الكتاب « شهد العالم المسيحي في العصور الوسطى، بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، ثورة تجارية حقيقية، كان أبرز فاعليها التجار والمصرفيين. عمّ هذه المرحلة السلام، هو إن كان نسبياً فإنه أتاح الرحلات البعيدة المدى، وكذلك شهدت نمواً سكانياً كبيراً.
يضيف « ومثّل هذا العصر في المقام الأوّل عصر نشأة المدن أو نهضتها. لنأخذ مثال: فلورنسا أو روان أو بروج أو جنوة أو أميان وبالطبع المعارض/ الأسواق الموسمية الكبرى في العصور الوسطى، ففي هذا الإطار الحضري المتنامي ازدهرت التجارة متحرّرة من الوصاية الدينية، ومشجعة النشاطات الفنية وفيه ظهرت الرأسمالية ».



