لا يهمّنا هنا موضوع الثقافة إلاّ باعتبارها ممارسة ذات صلة بالمجتمع. إنّ الثقافة ليست بذخاً ولا إكسيسواراً بل طريقة في النّظر إلى العالم. وبالتالي، فإنّ كلّ ما يُكتب ينبغي أنْ يكون مُوجّهاً لخدمة الناس. فهناك كتب بعيدة عن الواقع وتبدو وكأنّها ضربٌ من التخييل الذاتي غير المُنتج للأفكار والمفاهيم. وهذا النوع من الكتب هو المسيطر على الثقافة المغربية، فهي كتب تُقرأ من أجل القراءة فقط. وبالتالي، فهي مؤلفات لا تُعلّمنا شيئاً، بقدر ما تُعطّل ملكة التفكير وتجعل الفكر مُعطّلاً وجامداً.
ورغم الدور الكبير الذي يلعبه الأدب في حياة الناس وقدرته البارزة في تجميل حياة الناس، فإنّ كثرة النصوص الأدبية تجعل هذه الثقافة وكأنها مصابة باستسهال أدبي، في غياب تام للكتب العلمية والدراسات السوسيولوجية والمؤلفات التاريخية التي تُساعد المرء على بناء ذاته وفهم طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه. بينما هناك كتب أخرى كبيرة تفتح لك الأبواب وتشرع في وجهك كافة المعارف والقصص والحكايات والتجارب الإنسانية. إنّها كُتب تُعلّمك كيف تعيش وتُفكّر وتفهم وتنتقد وتُقدّم مجموعة من الأفكار في موضوع ما.
وضع الثقافة المغربية مخجل ولا يليق بثقافة تاريخها ضاربٌ في القدم. فعدد المؤلفات الصادرة في السنوات الأخيرة يحتل فيها الأدب الصدارة. في حين تبقى الدراسات المتصلة بالعلوم الاجتماعية ضعيفة وقليلة الصدور. يُفسّر البعض سبب هذا « العزوف » على تأليف دراسات من هذا النوع إلى غياب مؤسسات علمية تُساهم في دعم البحوث الاجتماعية ونشرها ليستفيد منها الناس. فالمؤسسات الرسمية لا تعمل على دعم هذه البحوث وتخصيص جزءٍ صغير من ميزانيات البحث العلمي بهدف تنمية المجتمع اجتماعياً وثقافياً وتاريخياً، فسيطرة الأدب على الثقافة ليس عاملاً إيجابياً بالمرّة. كلّ هذا في وقتٍ يتخرّج فيه عدد من الباحثين سنوياً داخل الجامعة في تخصصات ذات صلة بالتاريخ والفلسفة والسوسيولوجيا وعلم النفس.