المشهد في الأزقة الضيقة لفاس البالي يروي الحكاية بوضوح، مجموعات سياحية تتجول بين المعالم التاريخية كجامع القرويين ومدرسة العطارين ومتاحف فاس العريقة، وعدسات الكاميرات تلتقط تفاصيل الزليج والخشب المنقوش، بينما تصدح من فضاء باب المكينة أنغام صوفية وأندلسية تعزز سحر التجربة.
وأكد مرشدون سياحيون، في تصريحات متفرقة لـLe360، أن المدينة تعرف هذه الأيام توافدا استثنائيا للسياح، خاصة من بلدان كفرنسا، إسبانيا، كندا، وعدد من الدول الآسيوية والأمريكية، مشيرين إلى أن المهرجان الروحي شكّل عامل جذب رئيسي لهذا الإقبال.
وأوضح حسن لعيوني، أحد المرشدين المحليين، أن «عدد الجولات اليومية داخل المدينة العتيقة تضاعف منذ انطلاق المهرجان، وغالبية الزوار قدموا خصيصا لحضور فعالياته، قبل أن ينغمسوا في اكتشاف كنوز فاس التراثية»، مضيفا أن «هذا الحدث أصبح جسرا حقيقيا بين الموسيقى والثقافة، ويدفع السياح إلى استكشاف المدينة بروح منفتحة وعاشقة للأصالة».
وتشمل الجولة التقليدية، التي يقودها المرشدون غالبا، زيارة المعالم التاريخية الكبرى، من المدارس العتيقة والمتاحف إلى دار الدبغ والمنازل والأسواق التقليدية، حيث يُمنح الزوار شروحات دقيقة حول تاريخ المدينة وغناها المعماري والحضاري، في تجربة توصف بأنها غوص حقيقي في قلب ذاكرة فاس العريقة.
ويعزز هذا المعطى، أيضا، أرباب الوحدات الفندقية والرياضات ودور الضيافة التقليدية، حيث أفاد عدد منهم بأن نسبة الأشغال تجاوزت 90% في الأسبوع الأول من المهرجان، وهي نسبة لم تُسجَّل منذ سنوات، حيث تشير التقديرات الأولية الصادرة عن بعض الفاعلين في القطاع إلى أن فاس قد تكون من أكثر المدن المغربية استقبالا للسياح هذا الشهر، بفضل تقاطع الجاذبية الروحية للمهرجان مع القيمة الثقافية والعمرانية للمدينة التي أُدرجت منذ 44 سنة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وفي سياق متصل، أوضح عزيز اللبار، صاحب وحدة فندقية، في تصريح مماثل، أن القطاع السياحي بالمدينة يعيش منذ بداية ماي الجاري انتعاشة واضحة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، بفضل تزايد عدد السياح الأجانب والسياحة الداخلية، مشيرا إلى أن مهرجان الموسيقى الروحية ساهم بشكل ملموس في تعزيز هذه الدينامية، واستعادة المدينة جاذبيتها على المستوى الدولي.
كما نوّه اللبار بالإمكانات الاستثمارية التي باتت توفرها جهة فاس-مكناس، بفضل تسهيل المساطر الإدارية وتسريعها نظرا لما تعيشه مؤخراً من أشغال تهيئة وتحسين البنية التحتية، ما يعزز من جاذبيتها كوجهة سياحية وثقافية فريدة، قادرة على استقطاب مشاريع كبرى وتظاهرات دولية مستقبلاً.
هذا، وتُبرِز الانتعاشة السياحية التي تشهدها فاس اليوم، بجلاء، أهمية المزج بين الثقافة والسياحة، كما تعزز من موقع المدينة كقِبلة عالمية لعشاق الأصالة والتجارب الروحية، في وقت تعيد فيه فاس تأكيد مكانتها كعاصمة للتراث الحي والإشعاع الثقافي.




