ويأتي هذا الدرس تقديراً لسيرة الرجل ومكانته داخل مجال البحث التاريخي، باعتباره واحداً من المؤرّخين المغاربة الذين راكموا العديد من المتون الفكرية التي تميّزت بإبدالاتٍ هامّة على مستوى التفكير والصناعة. ذلك إنّ مؤلّفاته دائمة الحضور داخل مشهدٍ علمي متبدّل يحتل فيه التدريس مكانة بارزة في حين يظلّ البحث العلمي غائباً ومُغيّباً. إذْ على الرغم تقاعد القدوري على التدريس، فإنّه ما يزال حاضراً في المشهد العلمي بمؤلّفات ومقالات ودراسات ذات أثر كبير في بنية البحث التاريخي. ويعتبر كتابه عن أوروبا ومسألة التجاوز أحد المؤلّفات المذهلة التي وضعت أساساً معرفياً لعلاقة المغرب بأوروبا من الناحية التاريخية. وتتميّز كتاباته ببعدها الفكري، ذلك إنّ الكتابة التاريخيّة عبد المجيد القدوري ليست مجرّد سرد وحكي لأحداث سياسية ووقائع اجتماعية، وإنّما في أساسها عبارة عن تفكير مُسبق في الجذور التاريخية والأنساق الفكريّة والمفاهيم المركزية التي تتحكّم في سيرة هذه العلاقة.
تحرص كليات الآداب بالرباط بشكل سنوي على تقديم العديد من اللقاءات الفكرية التي تأتي إما على شكل محاضرات علمية أو دروس افتتاحية أو ندوات ثقافية، عاملة على إبراز العديد من القضايا والإشكالات ذات الصلة بالعوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية. ويعتبر لقاء القدوري واحداً من هذه اللقاءات التي تعطي للباحث إمكانات كبيرة للتفكير وقدرة على تأمّل وضعية الكتابة التاريخية ومفاهيمها المتطوّرة في علاقتها بالسياسة والمجتمع.