أشرف الحساني يكتب: علي حسن.. ذاكرة السينما المغربية

أشرف الحساني

في 25/08/2025 على الساعة 19:15

مقال رأيما الذي يستطيع المرء قوله في حقّ إعلامي كبير مثل علي حسن، تبدو الكتابة ضرباً من المخاض العسير الذي يفرضه الواقع على الجسد وتتحوّل معه البرامج التلفزيونية التي أنجزها إلى مجرّد ذكريات لها أثرها البالغ على مستوى الواقع الفني.

آمن الراحل علي حسن بقيمة الفنّ والدور الذي يمكن أنْ يلعبه في حياة الإنسان، باعتباره عنصراً هاماً في حياة المرء، بل وضرورة ملحّة تُعلّم الإنسان كيف يحلم ويعيش. لهذا جعل الراحل من السينما بمثابة أداة سحرية لاختراق الواقع بكل ما كان يطبعه منذ نهاية الستينيات من أهوال ومآزق، لم تكُن فيها السينما، قد بدأت توطّد معالمها داخل المجتمع، بل لم تكن المؤسسات الثقافية تؤمن بقيمتها كأداة فعّالة قادرة على التأثير في الناس وتغيير الواقع.

لذلك شرع علي حسن في جعل سيرته الإعلامية أكثر التصاقاً بحميمية الفنّ السابع، بعدما عمل على مدار سنوات طويلة داخل التلفزيون، على إعداد وتقديم سلسلة من البرامج التلفزيونية التي تُعنى بالسينما وجمالياتها. بحيث حرص الراحل على تقديم أفلام سينمائية عالمية ومحاولة خلق نوع من التوطئة النقدية للفيلم قبل الشروع في مشاهدته. لذلك، يعتبر صاحب « سينما الخميس » من الأوائل الذين انتهجوا هذا النمط الإعلامي المُختلف الذي يحرص على مناقشة الأفلام السينمائية والتعريف بها للمُشاهد، إيماناً منه بما يمكن أنْ تلعبه هذه اللحظات التقديمية المضيئة من دور فعّال في بناء علاقة فنّية بين الفيلم والمُشاهد.

تميّز علي حسن في مساره الإعلامي، انطلاقاً من اللحظة التي تخصّص فيها بالسينما وجعل منها أداة لفهم العالم وطريقة في الانفتاح على نمط تفكير المغاربة ووجدانهم. لذلك حرص في مجمل برامجه على جعل السينما بمثابة خيطٍ رفيع للتواصل، في وقتٍ لم يكُن فيه الراحل على علم أنه يؤسس لنوع من الصحافة الفنّية الحقيقية العارفة بالمفاهيم والملمّة بالأفلام وسياقاتها وكواليسها والتي باتت اليوم مهدّدة بفعل انتشار ثقافة الترفيه والاستهلاك. لقد استطاع علي حسن من خلال برامجه الفنية المساهمة في تحديث الفعل الثقافي وجعله منفتحاً على السينما وإمكاناتها التخييلية، في وقتٍ كان فيه المغاربة يجدون صعوبات جمّة في ارتياد الصالات السينمائية بسبب عدم وجود تنشئة ثقافية تراهن على السينما وتجعل منها أساساً في الحياة اليومية.

كما لعبت هذه البرامج دوراً محورياً في تاريخ السينما بالمغرب، لأنّها وضعت ولأوّل مرّة الفنّ السابع على تضاريس المَشهد التلفزيوني، وجعلت الناس تتعرّف على السينما وأنواعها وأشكالها وطبيعة الأفلام الموجودة في السوق السينمائية والتوقّف عند أهم نماذجها العالمية. وكانت هذه الطريقة نهاية الثمانينيات ما تزال تعطي تأثيرها في بنية المشهد السينمائي وذلك لأنّها ظلّت تؤسس بشكل خفي لمرحلة هامّة من تاريخ الفنّ السابع. ورغم أنّ الراحل لا يعرف عنه ناقداً سينمائياً، فإنّه عمل من جهته على أنْ يكون للسينما حضورها داخل الإعلام المرئي.

اكتسبت هذه البرامج قيمة كبرى وشرعية فنية، خاصّة وأنّها رافقت النقاش الحقيقي حول الفنّ السابع والذي كان قد بدأ يتشكّل منذ ثمانينيات القرن العشرين داخل الأندية السينمائية. لذلك كانت برامجه الفنية عبارة عن مساهمات حقيقية داخل مشهد سينمائي لم تتبلور ملامحه ولم تبرز جمالياته بعد. وإلى حدود اليوم، يعاني المشهد الفني من غياب البرامج الفنية المتخصصة في السينما وعوالمها، وهو غيابٌ يضمر مدى رؤيتنا للسينما والطريقة التي ننظر بها للفن السابع على أساس أنّه مجرّد فنّ ترفيهي. في حين أنّ السينما كما تعرفنا عليها ونحن صغار من خلال برامج علي حسن، تُعدّ بمثابة مشروع بصري قابل للتفكير والتأمّل، وذلك لكون السينما قادرة على أنْ تُجيبنا عن الأسئلة القاحلة التي ترُجّ كياننا، وهي تُحوّل المشاهد والوقائع والذكريات إلى عبارة عن صور باقية في الذاكرة والوجدان.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 25/08/2025 على الساعة 19:15